دومًا ما عُرفت الفلسفة بأنها من العلوم الشاقة وقليلون من يهتمون بها ويقرأون عنها بالرغم من تدخلها في أغلب شؤون حياتنا، وأن يقرر سيناريست ومؤلف بمناقشة قضايا فلسفية تهتم بالإنسان وقضاياه وأفكاره في أفلام سينمائية تحقق انتشارًا ونجاحًا على المستوى التجاري، هنا تكون المعادلة الصعبة التي استطاع أن يتجاوزها الكاتب محمود أبو زيد.
مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي اهتم محمود أبو زيد بمناقشة القضايا الأساسية التي تهم الإنسان مثل الأخلاق والفن والمال والضمير والطمع وصولًا إلى مواجهة التطور العلمي وتأثيره على الإنسان، ليقدم بالتعاون مع المخرج علي عبد الخالق ثلاثة أفلام سينمائية تعد من أول وأهم الأفلام التي ناقشت قضايا فلسفية بشكل مبسط في تاريخ السينما المصرية.
العار – 1982
كانت البداية في فيلم العار من بطولة “نور الشريف، حسين فهمي، محمود عبد العزيز” وسرد الفيلم قصة تاجر عطارة يدعى عبد التواب ومعروف بأنه شخصية تتميز بالتقوى والإيمان حتى يسافر إلى الإسكندرية للاتفاق على صفقة مخدرات، وذلك كان عمله المستتر الذي لا يعلم أحد عنه شيئًا سوى نجله الكبير ويدفع في تلك الصفقة ثروته بالكامل وعند عودته يلقى مصرعه، وتأتي المواجهة باعتراف الابن الأكبر كمال بحقيقة مصدر ثروة العائلة، وهنا يأتي السؤال الأهم حينما يقع جميع أفراد العائلة أمام اختيار صعب ما بين إتمام الصفقة والحصول على المال، أو رفض الصفقة من الأساس وضياع الميراث.
واستطاع محمود أبو زيد أن يجعل شخصيات الفيلم تخدم قضيته الفلسفية فنحن أمام أشقاء أحدهم رجل قانون يعمل بالقضاء يقرر أن يترك مهنته ومبادئه من أجل المال وشقيق آخر هو طبيب معالج لمتعاطي المخدرات ويظل طوال الوقت مترددًا، ومع إيمانهم جميعًا بأن المال هو أساس كل شيء ينهار كل ذلك ويضعنا “أبو زيد” أمام تساؤل المبادئ والضمير أم الثروة؟
الكيف – 1985
ويأتي فيلم الكيف وهو التجربة الثانية التي جمعت محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق في طرح المزيد من الأسئلة حول الإنسان، وفي هذا الفيلم تطرق “أبو زيد” لقضية العلم والتعليم والفن في مواجهة المال والإسفاف، فسرد الفيلم حياة إثنين أشقاء هما جمال والدكتور صلاح، فبعد فشل “جمال” في دراسته يقرر العمل مطربًا في فرقة شعبية لإحياء الأفراح لكسب الأموال بأي شكل، ودومًا ما يحاول شقيقه دكتور الكيمياء “صلاح” بإقناعه للإقلاع عن المخدرات وفي محاولته لذلك يقوم بإعطائه قطعة حشيش صُنعت في المعمل من مواد عطارة غير ضارة لينصحه باستخدامها وتقديمها لأصدقائه بدلًا من الحشيش، حتى تنال التركيبة إعجاب أحد تجار المخدرات، فيسقط صلاح أمام إغواء المال الذي يتوالى عليه بسبب تركيبته الكيميائية.
وتناول الفيلم عددًا من الخطوط والموضوعات الفلسفية مثل كيفية أن يكون العلم في أحيان كثيرة وجهًا من أوجه الفساد كما ناقش الفيلم مواجهة المال للمبادئ بشكل صريح، كما ربط “أبو زيد” بين إسفاف الفن وانهياره بأنه مثل إدمان المخدرات، لينتهي الفيلم بتأكيد أن كل ذلك مرتبط بالأخلاق فهي تكون المعيار والحامي للإنسان في الحفاظ على مبادئه ونفسه.
جري الوحوش – 1987
عام 1987 قدم الثنائي المؤلف محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق تجربتهما السينمائية الفلسفية الأخيرة في فيلم “جري الوحوش” وناقش “أبو زيد” في هذا الفيلم قضية العلم وتطوره في مواجهة الإنسان وكيفية تعامله معه.
وتدور أحداث الفيلم حول شخصيتي “سعيد” و “نبيل” وهما صديقان، أحدهما يملك المال والآخر يملك العلم، يعاني “سعيد” من عدم الإنجاب، فيقرر “نبيل” الطبيب مساعدته بطريقة مبتكرة وإحدى تجاربه العلمية التي توصل لها عن طريق زرع جزء من مخ رجل فقير وهو شخصية “عبد القوي” يضعف أمام المال ويتبرع بالجزء المطلوب ويتم إجراء العملية ولكن بعدها يتعرض “عبد القوي” لمرض شديد يوصله إلى الجنون، وشخصية “سعيد” لم تنجب ويصاب الطبيب بحالة إحباط.
أفضل أفلام نور الشريف: أسطورة الشاشتين الكبيرة والصغيرة
وإستطاع “أبو زيد” أن يخلق شخصية كانت هي الضمير الإنساني خلال أحداث الفيلم هي شخصية المحامي “عبد الحكيم” والذي لم يكن فقط صوتًا للقانون بل صوتًا للأديان أيضًا والتي ترفض بيع المبادئ مقابل المال وتحدي القدر.
وبالرغم مما تناولته تلك الأفلام من قضايا معقدة إلا أن المؤلف محمود أبو زيد استطاع أن يقدم تلك الأفكار والقضايا بأسلوب قريب من الجمهور بكافة طبقاته لتحقق تلك الأفلام نجاحًا تجاريًا وفنيًا ظل حتى الآن.
أفلام العار – الكيف – جري الوحوش .. ثلاثية السيناريست محمود أبو زيد في السينما بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق