كأم جديدة، لا أفقه الكثير عن أمور الهندسة الاجتماعية وأصول التربية السليمة، كنت دائمًا ما أتخبط بين التصرفات الحكيمة والخاطئة مع طفلي الأول، استخدمت عاطفتي مرة، وعقلي وحكمتي مرات، ولكن كثيرًا ما كنت أسيء التصرف أو أحصل على نتيجة عكسية. لا أخفي عليكم أن التجربة كانت عصيبة، خصوصًا إذا كان طفلك عنيد (وأغلب الأطفال كذلك، إن لم يكن جميعهم في سن معين)، كنت في حاجة إلى القراءة أكثر، والبحث عن إجابة لكل الأسئلة المتعلقة بمشاكل الطفل وصعوبات التربية، وها أنا أشارككم تجربتي في إحدى المشاكل لأساعد كل من كان مثلي.
من أكثر المشاكل شيوعًا بين الأطفال في السنين الأولى، هي الكذب والمراوغة، وبالرغم من أن الأطفال في البداية يتميزون بفطرة بريئة لا يشوبها الخداع أو النفاق، إلا أنهم ولسبب ما يلجؤون إلى الكذب والتحايل، فيا ترى ما هي الدوافع التي تجعل الطفل يكذب أو يراوغ؟
ما هي دوافع الطفل إلى الكذب
معظمنا- كآباء- يعتقد أن الدافع وراء كذب الطفل هو خوفه من العقاب، أو رغبته في الحصول على شيء ما، وبالرغم من أن هذه الأسباب تشارك بنسبة ما في لجوئهم للكذب، إلا أن هناك أسباب أخرى أكثر تأثيرًا تخفى على الكثير منا، ألا وهي:
اختبار السلوكيات الجديدة
بعد بحث طويل مني وراء أسباب الطفل للكذب، وجدت أن هناك دراسات تشير إلى أن الرغبة في اختبار السلوكيات الجديدة هي أحد أهم دوافع الطفل إلى الكذب والمراوغة. سأوضح لكم أكثر، يقول الطفل في قرارة نفسه: ماذا سيقع عليّ إن كذبت في موقف معين، ترى ماذا سيفعلون أو ستكون ردة فعلهم؟ لذلك تدفعه رغبته في التجربة إلى الكذب والخداع ليكتشف السلوكيات الجديدة من الشخص المتلقي.
تعزيز احترام الذات واكتساب قبول الآخر لهم
يعاني الكثير من الأطفال من فقدان الثقة بالنفس، وهذا يعود إلى عوامل كثيرة- لن تطرق إليها الآن، يؤثر هذا الشعور سلبًا عليهم، ويدفعهم إلى الكثير من التصرفات لتعويضه، وطبقًا لموضوعنا اليوم، فهم يلجؤون إلى الكذب والادعاءات لكي ينالوا إعجاب الآخرين، ولكي يشعروا بالثقة المزيفة في أنفسهم، وللأسف الشديد، نحن الآباء نسيء التصرف في هذه النقطة، ونزيد الأمر سوءًا مع عدم فهمنا للب المشكلة.
صرف انتباه الآخرين عنهم
يعتبر هذا السبب من الأسباب المؤسفة حقًا، فتخيل أن طفلك- لا قدر الله- يعاني من الاكتئاب أو القلق، ومع تكرار أسئلة الآخرين له بشأن أسلوب حياته وتصرفاته، يدفعه إلى الكذب عند الإجابة لكي يصرف اهتمام الناس عنه، فهو لا يريد مزيدًا من القلق والأحمال، ولا يريد الكثير من التوجيهات والأوامر، فعندما تسأله- على سبيل المثال: هل نمت جيدًا بالأمس؟ يجيبك بنعم، لكي يوقف الحوار عند هذه الكلمة ولا يواجه الكثير من التساؤلات والنصائح.
المسارعة بالتحدث قبل التفكير فيما سيقول
من الأسباب الشائعة للكذب في الأطفال هو الاندفاع، ومن أهم أسباب الاندفاع عند الأطفال هو عدم التفكير في الرد المناسب، أو عدم القدرة على التذكر للإجابة الصحيحة. تخيل أنك تسأل طفلك سؤالك المعتاد: هل أنهيت واجبك المدرسي اليوم؟ فيهم بالإجابة: نعم أنهيته، ثم يردف: أعتقد أنني أنهيته، لا أتذكر جيدًا، ولكني أعتقد أنني أنهيته. هذا الحوار هو حوارٌ يتكرر في كثير من الأسر، ويعتبر السبب الرئيسي وراء هذا الاضطراب والتشويش هو ضعف الذاكرة، ويمكن معالجة الأمر عن طريق إنشاء قائمة للمهام اليومية لحسن التأكد من الأمر، مع السعي وراء عوامل تنشيط الذاكرة.
متى يبدأ الأطفال في الكذب
كما وضحت لكم في بداية المقال أعزائي الآباء، فالأطفال في بداية عمرهم يمتلكون فطرة بريئة لا يشوبها الكذب والخداع والمراوغة، فمتى تظهر عليهم هذه السلوكيات السيئة؟
يمكن أن يبدأ طفلك في الكذب من سن الثالثة، هذا حينما يدرك أنك تعجز عن قراءة ما يجول في خاطره أو فهم طريقة تفكيره، لذلك يلجأ لأن يقول أشياء غير صحيحة وهو يعلم أنك لن تكشف ذلك. تنتشر صفة الكذب أكثر بين عمر الرابعة والسادسة في الأطفال، وحينها تكون تعبيرات الوجه ونبرة الصوت عائقًا ضدهم، فإذا سألته أن يوضح لك ما يقوله، سوف يعترف أنه لا يقول الحقيقة.
مع مرور السن، وكلما صار طفلك أكبر، ازدادت قدرته على الكذب بشكل محترف أكثر دون أن ينكشف بسرعة، حيث اكتسب الطفل كلمات ومصطلحات تعبيرية أكثر وخبرة في اختلاق الأسباب والمبررات المقنعة.
أعلم أنك منزعجٌ جدًا الآن، فمن منا لا يرغب أن يكون طفله خلوقًا وسويًا، ولكن دعني أوضح لك نقطة مهمة:
الكذب في الأطفال ليس مؤشرًا على سوء أخلاقهم، ولا يدل أبدًا على أنه سيكون كذابًا بصفة مستمرة طوال حياته، ولا تقلق عزيزي القارئ، طفلك بخير، وهذه المشكلة هي شيء طارئ شائع الحدوث في أغلب الأطفال، كما أن الأمر تحت السيطرة، دعني أخبرك عن الكيفية.
طرق منع الطفل من الكذب والمراوغة
- اجعل الصدق قاعدة أساسية للأسرة بالكامل: يمكنك نشر الوعي حول أهمية الصدق والأمانة بين أفراد أسرتك ونبذ الكذب بكل أنواعه وما ينتج عنه من سلبيات، لينشأ طفلك على حب الصدق واللجوء إليه مهما كان الموقف صعب، ومن الضروري جدًا أن يتبع كل أفراد الأسرة هذا السلوك (كبارهم قبل صغارهم)، وذلك لكي لا يشعر الأطفال بالتناقض وتشويه المبادئ.
- كن نموذجًا للأمانة: عندما يرى طفلك فيك النموذج الأمين الصادق منذ نشأته، سوف يقتدي بك ويتبع نفس السلوك، أما إذا كنت معتادًا على الكذب على طفلك، حتى ولو كذبة بيضاء أو كذبة لأجل مصلحته، كل هذه الأمور سوف تؤثر عليه وتجعله يتبع الأسلوب نفسه في أول فرصة تأتي له. يجب عليك احترام عقلية طفلك ومحاولة إيجاد أسباب تناسب عقله دون اللجوء للكذب والمراوغة.
- وضح الفرق بين الصدق والكذب: الكثير من الأطفال في الأعمار الأولى لا يفرقون بين الصدق والكذب، أو لا ينتبهون إلى ما يقولون إذا كان صدقًا أم كذبًا، فهنا دورك إذن: حيث يجب عليك مقارنة الصدق بالكذب أمامهم وشرح الفرق بينهم مع ذكر أمثلة لكي يتضح الأمر لهم.
- ابحث عن السبب أو الدافع وعالجه: عرضت لك فيما سبق أسبابًا ودوافع كثيرة، حيث يمكنك اكتشاف الدافع وراء كذب طفلك ومحاولة حل المشكلة. على سبيل المثال: إن كان طفلك يكذب بسبب قلة ثقته بنفسه، فيجب عليك تشجيعه وتحفيز ثقته بنفسه، فهذه مشكلة عميقة يجب المسارعة بحلها.
- أعطه تحذيرًا أوليًا: حذر طفلك في أول مرة تكشف كذبته، ولكن بنبرة هادئة، وأخبره أنك سوف تتغاضى عن الكذب هذه المرة، ولكن حذره إذا كرر نفس التصرف سيكون هناك عقاب. يفضل ألا تستخدم القسوة والحدة في علاج هذه المشكلة، يكفي أن تركز عملك على حل المشكلة وتوجيه الطفل وتوعيته.
- عاقب طفلك بتكليفه زيادة في المهام: إذا استمر طفلك في الكذب ولم يتراجع، يفضل أن تستخدم العقاب معه ولكن ليس بالضرب أو التوبيخ، يكفي أن تكلفه ببعض المهام الإضافية (كبعض الأعمال المنزلية أو التعليمية)، لكي يعلم أن لكل فعل رد فعل، ويجب أن يقلع عن الأفعال السيئة لكي لا يتعرض لهذه المشقة.
- شجعه على الصدق: مثل ما عاقبت طفلك على مواقف كذبه، يجب عليك أن تشجعه وتحفزه عندما يقول الحقيقة، لكي يحب الصدق ويفضله ويبتعد عن الكذب الذي يجلب له العقاب.
- استشر الطبيب المختص: هناك حالات يكون الدافع فيها وراء الكذب عميق ومتأصل في شخصية الطفل، ولا يوجد سبيل لعلاج هذه المشكلة، في هذه الحالة يفضل أن تتوجه إلى الطبيب أو المكان المختص لمساعدة طفلك على حل المشكلة.
في نهاية المقال، سوف أعطيك نصيحة هامة، بدلًا من أن تسعى وراء حل مشكلة أن طفلك يكذب، وتأخذ الأمور بشكلٍ شخصي، مما يؤدي إلى غضبك وحزنك على طفلك، اعلم أن طفلك لا يريد إغضابك، هو فقط لجأ إلى هذا الحل مضطرًا، فبدل من أن تسعى لحل مشكلة الكذب، حل مشكلة الدافع الذي جعله يكذب، فوقتها لن يضطر إلى الكذب. على سبيل المثال: إذا سألت طفلك إذا كان أنهى واجبه المدرسي أم لا، ثم أجابك بنعم، واكتشفت أنه لم ينهه وأنه يكذب، ثم سألته عن السبب وراء عدم إنهائه لواجبه المدرسي، فأجابك أنه كان يلعب كرة القدم مع أصدقائه، هنا يجب عليك حل مشكلة الواجب المدرسي ذاتها، فعند حل هذه المشكلة لن يضطر إلى الكذب.
طفلك لا يكذب من فراغ .. تعرف على الأسباب لحل المشكلة قبل أن تطلق العنان لغضبك بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق