مفارقة EPR: أخطر سلاح تم رفعه في وجه ميكانيك الكم


موضوع مفارقة EPR

ما سنتحدث عنه في هذا المقال، يمثل ربما أخطر التحديات التي تعرض لها تفسير كوبنهاغن لميكانيك الكم والذي كنا قد تحدثنا عنه في مقال “تفسير كوبنهاغن: محاولة لتفسير ميكانيكا الكم“، وقد طرح هذا التحدي§ كل من أينشتاين وبودولسكي§ وروزن§ في محاولتهم لإثبات أن ميكانيكا الكم هو نظرية غير مكتملة. وبعد أن تحدثنا في مقال “التشابك الكمومي، أو ما دعاه أينشتاين بالتأثير الشبحي عن بعد: هل يمثل انتهاكاً للنظرية النسبية؟” عن معنى التشابك، بتنا في موضع يمكننا من فهم هذه مفارقة EPR الخطيرة.

هناك عدة طرق يمكن أن تصاغ بها هذه المفارقة، إلا أننا سنعتمد هنا الطريقة التي قدمها بها الفيزيائي الأمريكي ديفيد بوم§، وذلك لكونها صياغة أبسط من الصياغة الأصلية للمفارقة ولكنها تؤدي نفس الغرض تماماً.

تجربة الشق المزدوج .. التجربة التي تحوي ألغاز ميكانيك الكم

حالة بل

كنا قد رأينا في مقال “التشابك الكمومي، أو ما دعاه أينشتاين بالتأثير الشبحي عن بعد: هل يمثل انتهاكاً للنظرية النسبية؟” كيف أنه لدى دراسة جملة مكونة من إلكترونين، ونريد معرفة اتجاهات سبين كل منهما بعد القياس بالنسبة لحقل مغناطيسي ما، بأن الحالة قبل القياس تكون عبارةً عن مزيج بنسب مختلفة من الحالات الممكنة بعد القياس، كما أن الحالة قبل القياس تكون مختلفةً جذرياً عن الحالات بعد القياس في الحالة العامة.

والآن، سننظر في إحدى الحالات الغريبة التي يسمح ميكانيك الكم بوجودها، وهي إحدى حالات بل. في هذه الحالة، سنجد حتماً أن سبين الإلكترون الأول هو بنفس جهة سبين الإلكترون الثاني بعد القياس، أي إما أن يكونا معاً بجهة الحقل، أو بعكسه بعد القياس، وذلك باحتمال قدره 50% لكل حالة. والغريب هو أن هذا سيتحقق مهما كان اتجاه الحقل المغناطيسي الذي نريد مقارنة السبين معه.

فعلى سبيل المثال، لو كان الإلكترونان في حالة بل المذكورة، وقسنا سبين كل منهما بالنسبة لحقل مغناطيسي يتجه إلى الشرق، فسنجد بعد القياس إما أن السبينين كلاهما موجهان نحو الشرق، أو أن كليهما موجهان نحو الغرب، وذلك باحتمال 50% لكل حالة.

ولو أتينا بإلكترونين آخرين في هذه الحالة، وقسنا سبينيهما وفق اتجاه حقل مغناطيسي متجه نحو الشمال، فسنجد بعد القياس أن كليهما متجهان نحو الشمال أو أن كليهما متجهان نحو الجنوب، وباحتمال 50% لكل حالة أيضاً!§

لماذا تبدو ميكانيكا الكم غريبة 🤷‍♀️

المفارقة

والآن، لنفرض أننا أتينا بزوج من الإلكترونات في حالة بل السابقة، وأبعدناهما عن بعضهما لمسافة كبيرة جداً (دون أن نقوم بقياس السبين) بحيث كانت المسافة من الكبر لدرجة أن الضوء (وهو أسرع وسيلة نقل معلومات في الكون) سيستغرق زمناً طويلاً جداً للانتقال بين الإلكترونين. إن الغرض من ذلك هو أن نضمن أن أياً من الإلكترونين لا يمكنه التأثير على الآخر بأي شكل لدى قيامنا بعملية القياس، لأن أسرع تأثير ممكن سينتقل بسرعة الضوء كحد أقصى.

والآن، لو أجرينا قياساً على سبين الإلكترون الأول وفق اتجاه نختاره اعتباطياً في الفراغ، فإن ميكانيك الكم يخبرنا أن سبين الإلكترون الثاني سيصبح في نفس اللحظة باتجاه سبين الإلكترون الأول بعد القياس!

ولكن كان بإمكاننا اختيار اتجاه مختلف وقياس سبين الإلكترون الأول عليه، وعندها أيضاً كان سيصبح سبين الإلكترون الثاني فوراً بعد القياس بجهة سبين الإلكترون الأول. وهنا تكمن المشكلة: إذ يمكن تلخيص احتجاج أينشتاين وبودولسكي وروزن كما يلي: بما أن الإلكترونين بعيدين جداً عن بعضهما ولا يؤثر أحدهما على الآخر، فلا يمكن أن تتأثر حالة الإلكترون الثاني من قرار قياسنا للإلكترون الأول على المحور الذي نختاره، وبالتالي لا بد من أن الإلكترونين كانا يمتلكان سلفاً سبينين لهما نفس الاتجاه قبل القياس، بحيث تكون لمركبتيهما (مسقطيهما) على أي اتجاه، نفس الجهة أيضاً.

إلا أن ذلك يخالف مبدأ الارتياب لهايزنبرغ، لأنه وفقاً له، لا يمكن أن يكون للإلكترون مركبتين للسبين وفق اتجاهين مختلفين في نفس اللحظة (الأدق أن نقول على محورين مختلفين)، وذلك لأن مركبات سبين الإلكترون على محاور مختلفة لا يمكن تعريفها معاً (أي أن يكون لها معنىً معاً) بشكل مشابه للموضع وكمية الحركة.

وبذلك فقد استنتج أصحاب مفارقة EPR أن ميكانيك الكم لا يعطينا معرفة مكتملة عن العالم، ليس لأن هذه المعرفة غير موجودة، إذ من المفارقة السابقة نجد أن مركبات السبين يجب أن تكون موجودة سلفاً ومعاً في نفس الاتجاه على أي محور عندما يكون زوج الإلكترونات في حالة بل السابقة، بل لأن ميكانيك الكم بحد ذاته هو نظرية غير مكتملة!

في عالم ميكانيك الكم الأغرب من الخيال .. من الحتمية إلى الاحتمالات!

رد تفسير كوبنهاغن

في الواقع، وفق ميكانيك الكم فالمحاججة برمتها خاطئة لأنها تفترض إمكانية معاملة الإلكترونين ككينونتين منفصلتين عندما يكونان في حالة بل المذكورة، وأنه يمكننا الحديث عن أحدهما بشكل مستقل عن الآخر. ما يخبرنا به ميكانيك الكم هو أن الإلكترونين لا يزالان جملة واحدة بغض النظر عن المسافة التي تفصلهما عن بعضهما، ولا يمكن الحديث عن أحدهما بشكل منفصل عن الآخر. كما أن مركبات السبين على محاور مختلفة هي مقادير متتامة وفق تفسير كوبنهاغن، ولا معنى للحديث عنها معاً. لذلك فبمجرد قياس مركبة سبين الإلكترون وفق محور ما (اتجاه ما)، يصبح من المتعذر الحديث عن مركبته على أي محور آخر، ولذلك فلا يمكن لنا أن نستخدم في نفس الوقت نتيجة تجريبية حصلنا عليها من قياس السبين وفق محور ما، مع نتيجة قياس سبين الإلكترون وفق محور آخر. وبالتالي فاستنتاج وجود مركبات محددة سلفاً لسبين الإلكترون باستخدام هكذا خلط هو استنتاج غير صحيح!

من الذرة إلى الانفجار العظيم… مصطلحات فيزيائية وكونية عليك معرفتها الآن!

الخلاصة

لو سألنا أينشتاين عمَّ ستكون نتيجة قياس سبيني إلكترونين في حالة بل السابقة، فسيقول أننا سنجد أن لهما نفس الاتجاه فيما لو قسناهما وفق أي محور، ولكن لأن السبينين كانا أصلاً موجهان وفق نفس الاتجاه. بينما لو سألنا بور نفس السؤال، فسيجيب بأننا سنجد بعد القياس أن سبيني الإلكترونين بنفس الاتجاه، ولكن هذا التوجه حصل لدى إجراء القياس وليس قبله.

وبذلك، تبدو مسألة التمييز مَن من بين الرأيين هو الصحيح، مسألة فلسفية لا يمكن لنا معرفتها بالتجربة. فهل الأمر كذلك حقاً؟ في الواقع سنرى في المرة المقبلة، أن فيزيائياً عبقرياً يدعى جون بل§، قد وجد طريقة تجريبية نستطيع من خلالها معرفة أي من الرأيين هو الصحيح، وسنناقش ما الذي بينته لنا التجارب عندما تم إجراؤها حقاً.

مفارقة EPR: أخطر سلاح تم رفعه في وجه ميكانيك الكم بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي

مجانا  .
المطور : أراجيك.   النوع : مجهول .
+3

 !  يتوافق هذا الموضوع مع جميع أجهزة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تطبيقات مشابهة قد تعجبك :

المشاركات الشائعة