واحدةٌ من أخطر أنواع الحروب وأشدّها فتكاً، سلاحها كائنات مجهريّة غير مرئيّة، لا تعرف حدوداً وتخرج في معظم الأحيان عن سيطرة حتى مصنِّعها لتتحوّل بومضة عين إلى خطر عالميّ يقتل المئات ويترك آثاراً تحتاج عقوداً لتختفي. من الطّاعون إلى الجدري وصولاً إلى الجمرة الخبيثة ومن ثم كورونا اليوم، تعد الحروب البيولوجية أو الحرب بالأوبئة ودون منازع أكثر الحروب رعباً وقتلاً على الإطلاق.
تجارب جنونية على البشر لمجرمي حرب تحت مسمى أطباء!
ما هي الأسلحة البيولوجية
السّلاح البيولوجيّ أو السّلاح الجرثومي؛ هو كلّ سلاح يستخدم عاملاً حيويّاً كالجراثيم، الفيروسات، أو الفطور الممرضة بهدف إلحاق الأذى بالإنسان، الحيوانات أو حتى النباتات.
صنّفت الأسلحة البيولوجية من ضمن أسلحة الدمار الشامل جنباً إلى جنب مع الأسلحة الكيميائيّة، الشعاعيّة والنووية. لكن، وكون هذه الأسلحة غير قادرة على تدمير البنى التحتيّة، المباني أو التسبّب بخسائر حقيقيّة في الماديّات اعتُبِرَت هذه التسمية مبالَغ بها أو فضفاضة نوعاً ما. رغم ذلك، حُظِرت هذه الأسلحة دوليّاً نظرًا لطبيعتها العشوائية وصعوبة السيطرة على انتشارها وآثارها وعدد ضحاياها الهائل على مر التاريخ. ولكنّ هذا الحظر لم يوقف بعض الدّول عن الاستمرار بتصنيعها سرّاً لتصبح بمثابة قنابل نائمة يمكن أن تتفجّر في أيّ وقت وتلحق الأذى بعشرات الملايين من النّاس.
أبرز الحوادث التي استخدم فيها الإنسان الأسلحة البيولوجية على مر التاريخ
من المؤكّد أن الحرب البيولوجية ليست حديثة العهد ولا وليدة التطوّر العلميّ والتقني الذي نشهده اليوم، بل انتبه الإنسان منذ القدم إلى أهميّة الأمراض واستخدمها -رغم عدم فهمه الدقيق للآلية التي تنتشر بها – كسلاح فعّال ضد أعدائه.
فقبل حوالي الألفي عام قام الآشوريون بتلويث آبار أعدائهم بفطور الجاودار المنتجة لمواد كيميائية شبيهة بثاني إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) متسبّبين بحالات ذهانيّة قويّة وهلوسات واضطرابات عقليّة بين صفوف الأعداء نتج عنها العديد من حالات التسمّم والوفاة.
وبعدها في القرن الثالث عشر الميلادي؛ عندما حاصر المغول مدينة كافا، قام المحاربون بإلقاء جثث جنود المغول المتوفين بالطاعون حول أسوار المدينة بغية نشر الوباء بين السكّان، وقد نجحوا بذلك بالفعل واعتُبر هذا الإجراء نقطة انطلاق الموت الأسود (الطّاعون) باتجاه أوروبا.
تنتقل البكتيريا المسببة للطاعون إلى الإنسان عادةً عبر عضات القوارض والبراغيث وكان هذا المرض شائعاً في قارّة آسيا بشكل أساسيّ، لكن الحملات التوسّعية للمغول واستخدامهم جثث الموتى المصابين كسلاح ضد أعدائهم، تسبّبت بمقتل 30-60% من سكّان أوروبا نتيجةً للمرض مغيّرين بذلك الخريطة الجغرافيّة والتاريخيّة لقارّة بأكملها!
وفي عام 1763، استخدم الجيش البريطانيّ فيروسات الجدري كسلاح بيولوجيّ ضد الأمريكيين الأصليين خلال حصار فورت بيت. قُدِّم الفيروس للسكّان على شكل بطّانيات وملابس تعود لمرضى ماتوا بالفيروس، علماً أن هذه الطرّيقة لم تكن الأفضل تكتيكيّاً لنشر الإصابة بالجدري إلّا أنها كانت الهدف من توزيعهم لكل هذه الأغراض على السّكان. الجدري اليوم لم يعد موضع قلق بسبب برامج التلقيح الواسعة حيث كانت آخر وفاة مسجّلة عالميّاً عام 1977م، ولكنّ وجود بعض المخابر المصنّعة له في روسيا والولايات المتحدّة يجعله إلى الآن موضع خوف وقلق عالميّين.
تفوّقت اليابان خلال الحرب العالميّة الثانية على وحشيّة الألمان في الحرب العالميّة الأولى؛ فقد قام اليابانيّون بمجازر بيولوجيّة لا تغتفر بحق الصينيين آنذاك، حيث سمّم الجيش اليابانيّ أكثر من ألف بئر صيني للمياه بالكوليرا والتيفوس. ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل أقاموا تجارب طبيّة على الأسرى الصينيّين تجاوز عدد ضحايا هذه التجارب 5000 أسير، كان يموت منهم 600 سنويّاً. اعتبر الطبيب الياباني والقوميّ المتطرّف شيرو إيشي الوالد الروحي لبرنامج الأسلحة البيولوجية اليابانية في تلك الفترة.
الوحدة 731: صفحة سوداء في تاريخ اليابان
وبعدها بعقود، بعد أحداث 11 سبتمبر من عام 2001 في الولايات المتحدة، انتشرت العديد من الرسائل مجهولة المصدر عبر نظام البريد إلى أكثر من 25 شخص تم اختيارهم عشوائيّاً. احتوت هذه الرسائل على عبارات تهديد مثل (الموت لأمريكا) (الله عظيم) وغيرها ليموت نتيجتها 5 أشخاص وينتشر الرّعب في أرجاء البلد بأكمله. ولكن لماذا الموت بسبب رسالة!
كانت تحوي مغلّفات الرسائل على غبار وأتربة يؤدّي استنشاقها إلى الإصابة بعدوى الجمرة الخبيثة (anthrax) القاتلة. تعتبر الجمرة الخبيثة إلى اليوم من أكبر الأخطار المحدّقة كسلاح بيولوجي نظراً للمراكز والتجارب الكبيرة المهتمّة بتصنيعه.
كورونا كسلاح بيولوجي محتمل
دبّ الهلع في كلّ أنحاء الكوكب بسبب فيروس كورونا الجديد، الذي انطلق من الصّين إلى معظم دول العالم مؤدّياً حتى الآن إلى أكثر من 83،726 حالة إصابة منها 2،859 حالة وفاة. هذا الانتشار العالميّ السّريع والسّهل للفيروس رغم كلّ الإجراءات الوقائيّة، إضافة إلى تنبؤ العديد من الكتّاب وصنّاع الأفلام بحدوث مثل هكذا وباء وتقديمهم تفاصيل دقيقة حول الإصابات وطريقة الانتشار قبل سنوات من حدوثه، عزّز الاعتقاد بكونه حدث مُخطَّط له سابقاً.
كذلك، ووفقاً لتقرير صادر عن ET Prime؛ تم اتّهام مجموعة من العلماء الصينيين بالتجسّس على المخبر الوطنيّ لعلوم الأحياء الدقيقة في كندا Canada’s National Microbiology Lab المعروف بتجاربه على أشد الكائنات المجهريّة خطورة وفتكاً، وأخبار حول تجريد هؤلاء العلماء من حقّهم في التواصل مع المختبر أو حتى الاطلاع على تجاربه.
وادعاءات العديد من الخبراء من بينهم الدكتور فرانسيس بويل (Dr Francis Boyle) الخبير والمؤسس في قانون الأسلحة البيولوجية بأن فيروس كورونا ليس وليد الطبيعة وإنما وليد تعديل في الهندسة الوراثية في المختبرات بهدف تحويله إلى سلاح بيولوجي هجومي.
على كلّ حال، ورغم منطقيّة الكلام السابق فإنه يبقى مجرّد تخمينات وتحليلات تفتقر حتى الآن إلى الدليل العلمي الواضح.
آليّات الوقاية من كورونا على مستوى الدّول
في عالم غير مهيأ لمرض بهذا التهديد للحياة البشرية مثل Covid-19، فإن الطريقة الأكثر فعالية للتخفيف من تأثير الوباء هي التركيز على دعم أنظمة الرعاية الصحية في كل أنحاء العالم، من خلال:
- تجنّب تحويل المستشفيات ومراكز الرّعاية الصحيّة إلى بؤر لتفشي العدوى، وذلك من خلال إعطاء أولويّة الوقاية لعمّال الرّعاية الصحيّة من خلال تزويدهم المستمر بأقنعة الوجه (الكمّامات)، القفّازات وغيرها.
- دعم المستشفيات المحلّية والمستوصفات بالخبرات الكافية لتقليل الضغط على المستشفيات المركزيّة من جهة ومحاولة حصر المناطق الموبوءة من جهة أخرى. بالإضافة إلى برامج التدريب والتوعية حول مخاطر الفيروس وأساليب الوقاية والتعامل مع الحالات الخاصّة.
- التركيز على عدم تحويل الحالة من صحيّة إلى سياسيّة عبر الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الصينيّة بشكل كليّ. بل العمل، عكس ذلك، على اعتبار مشكلة الصين مشكلة عالميّة وواجب جميع الجهات المعنيّة العمل على إيجاد العلاج واللقاح الضروريَّين لمنع تفاقم الإصابات. ذلك أن الصين تعد المصدّر الرئيسي للعديد من الصناعات الدوائية والمعدات الطبية التي لا غنى عنها، والتي يمكن لمقاطعتها أن يتسبب بالكثير من الوفيّات ليس بسبب كورونا بشكل مباشر وإنما بسبب نقص هذه المعدّات والأدوية الضروريّة لعلاج أمراض أخرى.
الوقاية من كورونا على المستوى الفردي
للأسف، لم يتمكّن الباحثون حتى الآن من إيجاد المضاد الفيروسي الذي بإمكانه القضاء على الفيروس وتحقيق الشّفاء، والمعالجة حتّى الآن مقتصرة على تخفيف الأعراض ودعم وظائف الأعضاء الحيوية في الحالات الحرجة، كما لم يتمكّنوا من تصنيع اللقاح اللازم للوقاية.لكن تبقى هنالك بعض الإجراءات التي يمكننا من خلال اتباعها التقليل من خطر الإصابة بالعدوى وأهمّها:
- تغطية الأنف والفم بمنديل نظيف عند العطاس أو السعال، وتجنّب استخدام المناديل المستعملة مسبقاً.
- غسل اليدين بشكل متكرّر، وتجنّب لمس العينين، الفم أو الأنف عندما لا تكون الأيدي معقّمة.
- لا داعي لتجنّب التواجد في الأماكن العامة (كالمدارس، محطات القطار، وغيرها..) إلا في حال السفر إلى مناطق موثَّقٌ تواجد الفيروس فيها كالصين، إيران أو إيطاليا…
- تجنّب الاتصال الوثيق بالأشخاص الذين يعانون من المرض حتى لو لم يكن كورونا.
- ارتداء كمّامة واقية عند التجوّل في الأماكن العامّة أو عند الشعور بأعراض المرض لتجنّب التقاط أو نقل العدوى إلى الآخرين.
إذاً، الحروب البيولوجية من أكثر أساليب الإنسان بشاعة في شن الحروب وتحقيق المطامع. وحتى إن كان فيروس كورونا أحد هذه الأسلحة فإنّه -وبكلّ تأكيد- لن يكون الأخير، ويبقى على كلّ حال خطراً ومسؤوليّة جماعية. وتبقى حدود إمكانيّاتنا بالمساهمة كأفراد في هذا المجال بمحاولة الوقاية قدر الإمكان من الإصابة والإسراع بالإبلاغ عن أيّ حالة مشبوهة لمساعدة كوادر الرعاية الصحية في السيطرة على المرض وتقليص الخسائر قدر الإمكان.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق