كورونا فيروس عالمي جديد يبقينا محتجزين في منازلنا- ربما لأشهر – بعدما أصاب الفيروس التاجي، الذي بدأ في الصين، أكثر من 550 ألف شخص حول العالم. مما جعله يعيد بالفعل توجيه علاقتنا بالحكومة، والعالم الخارجي، وحتى ببعضنا البعض وتفعيل أساليب التباعد الاجتماعي. وهناك بعض التغييرات التي يتوقع رجال وخبراء الاقتصاد رؤيتها في الأشهر أو السنوات القادمة قد تبدو غير مألوفة أو مقلقة للغاية بسبب اقتصاد كورونا، بعدما ترك انتشار الفيروس الشركات في جميع أنحاء العالم غارقة في حساب التكلفة الاقتصادية له.
اقتصاد كورونا: حجم تأثير فيروس كورونا المستجد
يهز الفيروس التاجي بقوة الاقتصاد والشركات، فيقاتل كل من القطاعين العام والخاص لإبطاء حجم الآثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار عدوى (COVID-19 – كوفيد-19)، حيث يعمل اقتصاد كورونا على تغير حركة الأسواق العالمية وسلوك المستهلك على نطاق واسع.
بالنسبة للعديد من الأشخاص في الوقت الحالي، فإن الحجم الاقتصادي لأزمة الفيروس التاجي يشير إلى أحداث 11 سبتمبر أو الأزمة المالية لعام 2008، وغيرها من الأحداث الجثام التي أعادت تشكيل المجتمع، بداية من كيفية التنقل والسفر وشراء المنازل، إلى مستوى الأمن والمراقبة المعتاد.
نرشح لك قراءة: على عتبات كسادٍ عظيم ثانٍ.. كيف سيؤثر انتشار الوباء على اقتصاد العالم؟
وفي نطاق التفاعل مع معطيات اقتصاد كورونا، أقر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أكبر حزمة مساعدات مالية واقتصادية في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق، بلغت قيمتها 2 تريليون دولار، لمواجهة العواقب الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد.
إليك مجموعة من الخرائط والرسوم البيانية لمساعدتك على فهم اقتصاد كورونا حتى الآن والسيناريوهات المحتملة لما بعد أزمة كوفيد-19.
تراجع معدل نمو الأعمال الصيني
نقطة البداية في هذا التحليل هي ما يحدث في الصين.. في الماضي القريب، انتشرت (الصدمات الاقتصادية الصينية) عبر الأسواق المالية العالمية، بما في ذلك تخفيض قيمة عملة اليوان الصينية المفاجئ في عام 2015. يكرر الفيروس التاجي كورونا النمط نفسه، وعلى نطاق أوسع، حيث انخفضت أسعار الأسهم في جميع أنحاء العالم، وتم توجيه ضربات قوية قاسية للثروات ومستويات الثقة في الأعمال التجارية، حيث انخفضت مبيعات السيارات بنسبة 80٪، وانخفضت حركة نقل الركاب بنسبة 85٪ عن المستويات العادية ومسوح الأعمال وصلت إلى مستويات قياسية. بعبارة أخرى، توقف الاقتصاد.
تباطؤ حركة المصانع في الصين
تشكل الصين ثلث التصنيع على مستوى العالم، وهي أكبر مصدر للسلع في العالم. وعندما ظهر الفيروس التاجي لأول مرة في الصين، انخفض حجم الإنتاج الصناعي والمبيعات والاستثمار بمقدار 13.5% في أول شهرين من العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019.
كما أثرت كورونا وفرضت قيودها على سلاسل التوريد للشركات الكبرى المصنعة للمعدات الثقيلة والسيارات. فيما أفادت شركات ومعارض بيع السيارات عن انخفاض الطلب. فقد انخفضت مبيعات السيارات الصينية بنسبة 86٪ في فبراير. وأصبحت المزيد من شركات صناعة السيارات، مثل: Tesla و Geely، تبيع الآن السيارات عبر الإنترنت، حيث يبتعد العملاء عن معارض البيع المباشر.
ضربة لأسواق الأسهم والذهب والنفط العالمية
تضررت أسواق الأسهم العالمية بدرجة كبيرة جدًا، بعدما شهدت مؤشرات FTSE وداو جونز الصناعي ومؤشر Nikkei انخفاضات هائلة منذ بدء تفشي الوباء في 31 ديسمبر. فقد شهد مؤخرًا مؤشر داو ومؤشر FTSE أكبر انخفاض لهما في يوم واحد منذ عام 1987.
حتى الاستثمارات “الأكثر أمانًا” تضررت جراء أزمة كورونا.. يعتبر الذهب تقليديًا “ملاذًا آمنًا” للاستثمار في أوقات الأزمات وعدم اليقين الاقتصادي، حيث يختار المستثمرون في الغالب استثمارات أقل مخاطرة، ولكن حتى الذهب فقد بريقه بعدما تراجع سعره فترة وجيزة في مارس، حيث كان المستثمرون يخشون من الركود العالمي.
وكذلك، تراجع سعر النفط عالميًا إلى أسعار لم تحدث منذ يونيو 2001، حيث يخشى المستثمرون من أن الانتشار العالمي لفيروس كورونا سيضرب الاقتصاد العالمي بما يؤدي لتراجع الطلب على النفط، بعدما دفعه الفيروس التاجي لمزيد من الانخفاض في السعر.
اقتصاد العالم ينمو بأبطأ معدل منذ أزمة 2008
خلال هذا العام 2020، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بأبطأ معدل له منذ أزمة الاقتصاد العالمي الأخيرة في 2008؛ بسبب تفشي الفيروس التاجي وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، بعدما توقعت نموًا بنسبة 2.4٪ فقط في 2020، منخفضة من 2.9٪ في نوفمبر. وقالت أيضًا إن تفشي المرض “لفترة أطول وأكثر كثافة” يمكن أن يخفض النمو إلى 1.5٪ في عام 2020 حيث تعلق المصانع نشاطها ويبقى العمال في المنزل لمحاولة احتواء الفيروس.
لكن.. ماذا عن اقتصاد ما بعد كورونا؟
حسنًا، بينما سنتغلب على هذه الأزمة الصحية المباشرة بطريقة أو بأخرى، فإن آثارها سوف تستمر لسنوات، وربما لعقود. ليس من السابق لأوانه الاعتراف والبدء في معالجة الصعوبات المالية التي يسببها الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي. وفي الوقت الذي تغلق فيه المطاعم والمسارح ومحلات البيع بالتجزئة والمؤسسات الأخرى أبوابها، إما طوعًا أو استجابة لطلبات الطوارئ، تتحمل الشركات الصغيرة والناشئة والعمالة المؤقتة العبء المباشر للتداعيات الاقتصادية، كما بدأ عدد من الدول في تفعيل برامج التحفيز الاقتصادي للحد من آثار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا.
في حين أننا لا نستطيع التنبؤ على وجه الدقة بالنتائج الاقتصادية الكاملة لهذه الغيمة التي حلت على الاقتصاد العالمي، فإننا نعلم بالفعل أن آثار الفيروس والتدابير الجذرية المتخذة لمنع تفاقم الأزمة تؤثر بالفعل على حركة الاقتصاد والأسواق والصناعات في جميع أنحاء العالم. يمكن أن تشمل التداعيات الاقتصادية الركود في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، وأبطأ معدل نمو مسجل في الصين، وإجمالي خسارة 2.7 تريليون دولار، أي ما يعادل إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة.
نرشح لك قراءة: نصائح للمصابين بفيروس كورونا COVID-19 للحد من انتشاره
مع وجود الكثير من الأشياء المجهولة المحيطة بمسار وباء الكورونا، واستجابة الحكومة والأعمال التجارية للضربة الناجمة عنه بتفعيل برامج التحفيز، لا يمكن للتنبؤات التمسك بالدقة التامة. لكن هذه السيناريوهات الأربعة تقدم طريقة لتتبع حجم الآثار المحتملة (من خلال البلدان والصناعات):
سيناريوهات ما بعد أزمة كورونا
تقدر وكالة Bloomberg، المعنية بأمور الاقتصاد، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2020 قد تباطأ إلى 1.2 ٪ على أساس سنوي – وهو الأضعف على الإطلاق. إذا لم تستأنف الصين مسيرتها بسرعة، سيصبح الوضع كابوسيًا.
السيناريو الأول: ضربة للصين، وانتشار الوباء للعالم
بالنسبة لبقية العالم، تعد الصين مهمة كمصدر للطلب والعرض، ومحور اهتمام الأسواق المالية. مع تمكن الصين من السيطرة بسرعة على تفشي وباء كورونا، وإذا عادت الحياة إلى المصانع في الربع الثاني، فيمكن احتواء التأثير على بقية الاقتصاد العالمي.
هذا احتمال حقيقي.حيث وجد تقرير منصة Made-in-China.com – إحدى المنصات الرئيسية التي تربط الموردين الصينيين والمشترين العالميين- أنه بحلول أواخر فبراير، استأنفت بالفعل 80٪ من المصانع عملياتها. ومن المتوقع بحلول أواخر أبريل أن تعود الطاقة الإنتاجية إلى طبيعتها، وذلك بحسب التقرير.
إذا حدث ذلك، فإن صدمة شديدة ستحدث للصين في النصف الأول سيتبعها انتعاش في النصف الثاني. وبالنسبة للعالم ككل والاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة، سيكون من الصعب رؤية التأثير في بيانات الناتج المحلي الإجمالي للعام بأكمله.
السيناريو الثاني: تفشي الوباء واضطراب موضعي
تعد المبيعات في الصين مصدرًا رئيسيًا للشركات متعددة الجنسيات، فهي أكبر منتج لمكونات ومستلزمات الصناعة في العالم. وبالتالي عندما يتم إغلاق المصانع الصينية، يصبح من الصعب العثور على خامات ومستلزمات الإنتاج التي تدخل في كل شيء، بداية من أجهزة iPhone من Apple إلى معدات وآلات البناء. ففي عام 2019، بلغت صادرات الصين 2.1 تريليون دولار من قهوة ستاربكس إلى الدجاج المقلي المقرمش من Yum.
نرشح لك قراءة: كيف أثَّر فيروس كورونا على سوق الهواتف المحمولة كآبل وسامسونغ وغيرها
فماذا سيحدث إذا تفاقمت المشكلة بشكل أكبر؟ في السيناريو الثاني، نفترض أن الصين ستستغرق وقتًا أطول للعودة إلى وضعها الطبيعي، بمعنى حدوث انتعاش على شكل حرف U بدلاً من حرف V.
يؤكد تقرير منصة Made-in-China.com أنه حتى عندما تعود المصانع الصينية إلى العمل، فإن هناك عددًا من المشاكل الواجب التعامل مع نتائجها، فالعديد من المصانع ليس لديها مخزون كافٍ لإدارة العمليات الانتاجية، مما يعيق سلسلة التوريد العالمية ما بعد تحجيم اقتصاد كورونا.
يفترض أيضًا أن الاقتصادات الكبرى بخلاف الصين التي شهدت أكبر عدد من حالات الإصابة بالفيروس (كوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا، تتأثر بشدة. وفقًا للتحليل، يأخذ معدل النمو العالمي لعام 2020 نزولًا إلى 2.3٪، أي أقل بكثير من التوقعات السابقة لآثار الفيروس عند 3.1٪.
السيناريو الثالث: انتشار العدوى
في السيناريو الثالث، نفترض صدمة أشد لكوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا. ونضيف صدمة صغيرة لجميع البلدان التي أبلغت عن وجود حالات وباء كورونا حتى بداية مارس. وهذا يشمل الولايات المتحدة والهند والمملكة المتحدة وكندا والبرازيل، مما يعني أن جميع الاقتصادات العشر الكبرى في العالم، وفقًا لهذا السيناريو، ستعاني من التباطؤ لأنها ستكافح من أجل احتواء الانتشار المحلي لفيروس COVID-19.
وفقًا لهذا السيناريو، ينخفض النمو العالمي لعام 2020 إلى 1.2٪. وستدخل منطقة اليورو واليابان في حالة ركود، وسينخفض معدل النمو في الولايات المتحدة إلى 0.5٪، وذلك بما يكفي لرؤية ارتفاعات كبيرة في معدل البطالة في عام الانتخابات.
السيناريو الرابع: وباء عالمي
ما الأسوأ من ذلك؟ لمعرفة الأثر الواقع على الاقتصاد بسبب كورونا، نفترض أن جميع البلدان في نطاق التحليل تواجه صدمة شديدة تعادل انخفاض النمو الذي تعانيه الصين في الربع الأول.
نرشح لك قراءة: كيف تبقى إيجابيًا ومحتفظًا بهدوئك في ظل أزمة كورونا العالمية؟
إذا حدث ذلك، فإن معدلات النمو العالمي خلال العام ستصل إلى الصفر، ستنضم الولايات المتحدة إلى منطقة اليورو واليابان في حالة انكماش اقتصادي، مما قد يغير حركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية. سينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 3.5٪ فقط، وهو أبطأ الأرقام القياسية منذ عام 1980، ومن المتوقع حينها أن يبلغ حجم الإنتاج المفقود حوالي 2.7 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم.
نرشح لك قراءة: كورونا في زمن الإنترنت: كيف حوَّلت التكنولوجيا الرَسن إلى تاج وقلَّدَتْ العامة مناصب الأنبياء؟
وفي النهاية.. قد لا تكسب السيناريوهات السابقة تأييد الكثير من الأصدقاء. لكنها في كتب الاقتصاد لها أساس متين؛ لذا يأمل رجال الاقتصاد وصناع السياسة الاقتصادية، مثلهم مثل أي شخص آخر في العالم، أن تتم السيطرة على تفشي المرض بسرعة حتى يتعافى وضع الاقتصاد العالمي ما بعد كورونا.
اقتصاد كورونا: دليل مرئي للتأثير الاقتصادي وسيناريوهات ما بعد الأزمة! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق