كثيرًا ما نفتخر بحضارتنا العريقة، فتسمع المصريين يتباهون بحضارة مصر العتيقة التي كانت وما زالت مَحط اهتمام وموضع ذهول للعالم أجمع! وكذلك الشعب اليوناني المتباهي بحضارة الإغريق الرائعة التي أثمرت تطورات كبيرة في العلوم وبها نشأ علم الفلسفة، وهناك أيضًا الحضارة الصينية الرائعة، التي حملت في طياتها أصالة الفكر والفن والعمل، وحضارة روما التي رسخت لنفسها مكانة رفيعة بين الحضارات القديمة، وغيرها من الحضارات التي تغلبت على الإمكانات الضعيفة، والقيود التي عرقلت حركة الإنسان البدائي نحو التقدم، لكنه ما لبث أن تخلص من تلك القيود رافعًا راية البناء والتعمير، داعيًا لخلق حضارة متميزة.
كيف نظر الفراعنة للكون من حيث نشأته وبداية الخلق؟ .. نظريات فرعونية مُثيرة!
الغريب في الأمر أن الباحثين يرجعون الفضل في بناء تلك الحضارات إلى انقراض حيوانات العصر الجليدي، مثل تلك التي شاهدتها من قبل في فيلم “Ice Age” بأجزائه العديدة، لكن كيف ذلك؟
ما قبل الحضارة
جميعا نعرف قصة بداية الكون والحياة على الأرض، لكن لا بأس فلنختصرها سريعًا. قبل حوالي 13.7 مليار عام بدأ الكون في التشكل بعدما حدث الانفجار العظيم، وبدأت الكواكب والنجوم والمجرات في التشكل عبر مليارات السنين حتى تشكلت الأرض قبل 4.54 مليار عام، ثم بدأت براعم الحياة تحبو على كوكب الأرض قبل حوالي 3.8 مليار عام، وبدأت الكائنات في التطور، وشهدت الأرض عصورًا عدة، يطلق عليها علماء الجيولوجيا- علم الأرض – العصور الجيولوجية.
كل شيء عن نظرية الانفجار العظيم وكيف بدأ الكون – ملف شامل
أقسام العصور الجيولوجية
والعصور الجيولوجية عديدة وقد قسمها علماء الجيولوجيا إلى:
- العصر الكامبري “Cambrian”: في الفترة ما بين 540 إلى 489 مليون عام مضى.
- العصر الأورديفيكي “Ordovician”: في الفترة ما بين 489 إلى 444 مليون عام مضى.
- العصر السيلوري “Silurian”: في الفترة ما بين 444 إلى 416 مليون عام مضى.
- العصر الديفوني “Devonian”: في الفترة ما بين 416 إلى 360 مليون عام مضى.
- العصر الكربوني “Carbonian”: في الفترة ما بين 360 إلى 300 مليون عام مضى.
- العصر البرمي “Permian”: في الفترة ما بين 300 إلى 250 مليون عام مضى.
- العصر الترياسي “Triassic”: في الفترة ما بين 250 إلى 201.6 مليون عام مضى.
- العصر الجوراسي “Jurassic”: في الفترة ما بين 201.6 إلى 145.5 مليون عام مضى.
- العصر الكريتاسي “Cretaceous”: في الفترة ما بين 145.5 إلى 65.5 مليون عام مضى.
- العصر الثالث “Tertiary”: في الفترة ما بين 65.5 إلى 2.6 مليون عام مضى. ويمتاز هذا العصر بالتطور، وينقسم إلى خمسة عصور وهي: العصر البالوسيني “Paleocene” وعصر الأيوسين “Eocene” وعصر الأوليغوسين “Oligocene” وعصرالميوسين “Miocene” وعصر البوليسين “Pliocene” والعصر الرباعي “Quaternary”، والعصر الرباعي هو الذي تطورت فيه الحياة، وفيه نعيش الآن.
من الذرة إلى الانفجار العظيم… مصطلحات فيزيائية وكونية عليك معرفتها الآن!
بداية الحضارة
بدأ ظهور الإنسان العاقل لأول مرة في الفترة ما بين 250000 إلى 350000 عام مضى، وكانت حياة الإنسان وقتها تتمحور حول الصيد، فقد وُجد أنَّ البشر في فرنسا اصطادوا الماشية والغزلان والخيول منذ 17000 عام مضى. ولم تبدأ الخطوات الأولية نحو الحضارة إلا منذ حوالي 10000 عام فقط، وظهرت الحضارات الأولى العريقة قبل حوالي 6400 عام. وكان يعيش 95 % من البشر فيما يشبه قبائل صغيرة متفرقة وبالتدريج تحولت حياة الإنسان من الصيد إلى حصاد النباتات ثم تعلم الزراعة، وفي النهاية تمدن فكون المدن، وبدأ في إنشاء الحضارة.
كيف بدأ الإنسان في إنشاء الحضارۃ
والغريب في الأمر أنَّ انقياد الإنسان للحضارة لم يبدأ إلا بعد انقراض الحيوانات العملاقة التي كانت تعيش في العصر الجليدي منها: الماموث والكسلان العملاق والغزلان والخيول العملاقة وغيرها من الحيوانات التي كان يعتمد عليها الإنسان في الصيد من أجل الحصول على الغذاء، وبمجرد اختفاء هذه الحيوانات لم يجد الإنسان ما يأكل سوى النباتات ووجه فكره نحو كيفية الاستفادة من النباتات في الغذاء وبدأ في عملية الزراعة، ومن ثم توالت التطورات الأخرى التي قادت للحضارة، لكن هل هذا يعني أن اختفاء الحيوانات التي اعتمد عليها الإنسان في الغذاء أجبر ثقافته على التطور؟ ربما!
لماذا فضَّل الإنسان البدائي الصيد عن الزراعة
كان البشر الأوائل يعادلوننا في معدل الذكاء، مما يعني أنهم كانوا أذكياء بما يكفي للقيام بالزراعة، ولكنهم لم يمارسوها لظروف منعتهم في البيئة وقتها، ربما لأنهم لم يكونوا بحاجة إليها، أو أنَّ الاحترار العالمي الذي حدث في نهاية الفترة الجليدية الأخيرة قبل 11700 سنة سهل أمر الزراعة عليهم، خاصةً وأنه وفرَّ مناخًا أكثر دفئًا ونظمَّ مواسم الزراعة وساعد على استقرار المناخ.
لكن هذا لا ينفي أنَّ الزراعة كانت ممكنة في كل مكان، فكما نعلم هناك نباتات تتكيف في الظروف القاسية المختلفة، كما أنَّ الأرض قد شهدت العديد من حالات الاحترار العالمي غير تلك التي حدثت قبل 11700 عام مضى، فحدث قبل 125000 عام مضى وقبل 200000 عام مضى وأيضًا قبل 325000 عام مضى. لكن حالات الاحترار العالمي هذه لم تحث البشر على الزراعة، مما يدعم فكرة أنَّ المناخ ليس العامل الوحيد المُحرك لهذه العملية.
وبالرغم من اكتشاف البشر لبيئات بنباتات جديدة عند هجرتهم عندما ازدادت أعدادهم من جنوب إفريقيا إلى جميع أنحاء إفريقيا ووصولهم إلى آسيا وأوروبا ثم الأمريكتين، إلا أنه قد وجد أنَّ البشر عاشوا في هذه الأماكن من العالم قبل وقت طويل من بدء الزراعة، وهذا يُدعم فكرة أنهم كانوا في غنى عن الزراعة.
تفسير منطقي
عند مقارنة حياة المزارع بالصياد- خاصةً في العصور الأولى للإنسان على الأرض- ستجد أنَّ الزراعة تستغرق المزيد من الوقت والجهد وتقلل من حصة الإنسان في النظام الغذائي، كما أنها تتطلب مجهودًا شاقًا اليوم للحصول على الإنتاج بعد أشهر، وتتطلب إدارة جيدة لسد احتياجات الناس من الطعام على مدار العام. أضف إلی ذلك أنَّ المزارع يكون تحت رحمة الطبيعة والتي يصعب الوثوق بها، خاصةً مع الإمكانات الضعيفة وقتها، فقد تمطر في وقت ما وقد تتأخر للحد الذي يفسد المحصول، وقد يتعرض الزرع للجفاف أو الصقيع أو الوباء أو الجراد وغيرها من العوامل التي تؤدي في النهاية إلى فشل عملية الزراعة!
أما عن الصياد فهو قد يمر بيوم لا يوجد به صيد، فيبحث في أماكن أخرى أكثر ثراءً بالصيد، والصيادون دائمو التنقل ويمكنهم السفر لمسافات طويلة وكانوا محاربين أقوياء ويعزى ذلك لممارستهم المستمرة لاستخدام الرماح والأقواس، وبالرغم من تطور الحياة واتجاه بعض البشر للزراعة، إلا أن هناك الكثير منهم فضَّل أن يكمل حياة الصيد.
وقد اتخذوا رد فعل معادٍ لأي محاولة من الآخرين لتغيير نمط حياتهم، وسنجد ذلك واضحًا في تمسك “أمة الكومانشي” – وهم قبائل من السكان الأصليين للأمريكتين وما زالوا موجودين حتى الآن – بأسلوب حياتهم في الصيد بل وقاتلوا من أجل الحفاظ على هذا النمط في الحياة، ومثال آخر شعب “بوشمن” الذين يعيشون في جنوب إفريقيا، وحتى يومنا هذا يتصدون لفكرة ترك الصيد والتحول للزراعة!
وهناك نموذج لحالة فضَّلت أن تتحول لحياة الصيد بعدما كانوا مزارعين مثل “البولينيزيين”، وهم قبائل قامت برحلات استكشافية عديدة، ووصلت جماعة منهم إلى نيوزيلندا تُسمى الماوري والذين استغنوا عن الزراعة عندما وجدوا مصدرًا آخرًا وأسهل للغذاء في أنواعٍ من الطيور النيوزيلندية الوفيرة التي لا تحلق. إذن يمكننا القول أنَّ البشر قد أحبوا الصيد واستسهلوه عن الزراعة.
التخلي عن الصيد
قبل 10000 عام بدأ البشر في التخلي عن حياة الصياد والاتجاه لحياة المزارع، ولوحظ أن هذا حدث بعد انقراض الماموث وغيره من الحيوانات الضخمة من حقبة العصر البليستوسيني، فلم يجدوا الحيوانات العملاقة التي ألفوها فاضطروا للزراعة، وبذلك لم يخطو البشر خطواتهم الأولى نحو الحضارة إلا لاضطرارهم أو لحاجتهم للطعام وليس بدافع التقدم، وكانت الكارثة الكبرى أن اختفت الحيوانات الكبيرة في كل مكان خطت فيه قدمي الإنسان عندما غادر البشر أفريقيا وذهبوا للأماكن الأخرى.
ففي أوروبا وآسيا، اختفت حيوانات عملاقة مثل: وحيد القرن الصوفي والماموث والأيل الأيرلندي في الفترة ما بين 40000 إلى 10000 عام مضى. وفي استراليا اختفى حيوان الكنغر العملاق والمبتيات قبل حوالي 46000 سنة. في أمريكا الشمالية، قلت أعداد الخيول والجمال والأرماديلوس العملاق والماموث وكسلان الأرض، واختفت في الفترة ما بين 15000 إلى 11500 عام مضى. وفي أمريكا الجنوبية انقرضت الحيوانات العملاقة في الفترة ما بين 14000 إلى 8000 عام مضى، فبعد أن انتشر البشر في جزر الكاريبي ومدغشقر ونيوزيلندا وأوقيانوسيا اختفت الحيوانات الضخمة.
لكن لماذا الحيوانات الكبيرة
ببساطة الحيوانات الكبيرة أسهل بكثير في الصيد من الحيوانات الصغيرة فاستهداف حيوان كبير الحجم كالخيل أو الماموث أو الجمل أسهل بكثير من استهداف حيوان صغير الحجم سريع الحركة كالأرنب مثلًا، ولأن الحيوانات الكبيرة كالماموث تتكاثر ببطء، وتنتج أعدادًا قليلة من النسل مقارنة بالحيوانات الصغيرة التي تنتج أعدادًا كبيرة في أوقات قصيرة، وكان يستهدفها البشر في الصيد، فمن الطبيعي أن يكون الماموث وغيره من الحيوانات المشابهة عرضة للاختفاء، وبمجرد اختفاء فريسة الإنسان اضطر لبناء الحضارة.
بناء الحضارة
بعدما فتك البشر بالحيوانات الكبيرة، التي كانت بمثابة مصدر الغذاء الوحيد لهم، ولم يجدوا مفرًّا من البحث عن مصدر آخر آمن للغذاء، اضطروا للابتكار والتركيز على فكرة التجمع والتخلي عن الحياة المتفرقة التي كانوا يعيشونها، وبدأوا في الزراعة وتعمير الأرض، وهذا ساعدهم على زيادة أعدادهم، حيث أن الزراعة تدعم عددًا أكبر من الناس في نفس المنطقة أكثر من الصيد. وبالتالي يمكن للبشر الاستقرار بشكلٍ دائمٍ وبناء المستوطنات والملاجئ ومن ثمَّ تأتي الحضارة، وقد كان.
وتشير السجلات التاريخية لدينا إلى أنَّ البشر لم يبنوا الحضارة رغبةً في التقدم، ولكن الأمر كان محض صدفة نتيجة لإفراطنا في صيد الحيوانات العملاقة، مما أدى إلى انقراضها فاضطررنا لتوجيه تفكيرنا صوب الزراعة ثم الحضارة، مما يعني أنه لو لم تنقرض هذه الحيوانات العملاقة لما كنا نحن ها هنا في عصر للتكنولوجيا، ولما كنت أنا أكتب هذا المقال، ولما كنت أنت تقرأه، وكنا الآن نطارد الماموث في البرية! فالزراعة كانت بمثابة محاولة يائسة من أجدادنا لإصلاح ما أفسدوه بسوء فهم منهم، ولإنقاذ حياتهم من الهلاك.
الكوزمولوجيا الحديثة تشهد الآن ثورة من الداخل.. فما الذي يحدث وما هي أزمة الكوزمولوجيا اليوم؟
كيف ساعد انقراض ثدييات العصر الجليدي في بناء الحضارة البشرية بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق