يوجد ترابط مهم بين القتل والقتال؛ القتل هو محرك القتال في أي عمل أدبي أو سينمائي، يشمل ذلك بالطبع أعمال الرسوم المتحركة، والتي تحتل مساحة كبير من مقالنا هذا.
يوجد ترابط آخر لا يقل أهمية عن السابق بين القتل والموت، والحق أن هذه سلسلة من المقالات التي تتناول الموت لأنه الأكثر شمولية وتنوعًا من القتل، حيث أن الأخير هو جزء من الموت. وبما أنها سلسلة عن أعمال الأنمي والمانجا، سيكون لها الأولوية في العرض أثناء تناولنا للمسألة الأولى من عدة مسائل تطرحها فكرة الموت، وتوظفها في الخيال.
هذه المسألة هي، هامشية الموت.
هامشية الموت
إن الموت يعد من أهم العناصر في جميع الأعمال الخيالية، وذلك يرجع لعدد من الأسباب، منها:
- أنه عامل مشترك بين الواقع والخيال.
- أنه أحد المصائر المقدرة للبطل.
- أنه يطرح احتمالات خيالية أبعد من تصوراتنا العادية.
وفي هذا المقال نتناول إحدى تلك الاحتمالات، وهو تهميش الموت. أي أن الموت يصير شيئًا هامشيًا يفقد ثلاثة أرباع هيبته إذا ما فقد خاصيتين من أهم خصائصه، وهما ما يعرف بـ
- حتمية الموت.
- ونهائية الموت.
الأولى هي أن الموت شيء لا مفر منه، والثانية هي أن الموت شيء لا رجعة منه. ونعرض في الآتي ثلاثة أعمال في الأنمي همشت الموت بإبطال الخاصية الثانية له.
دراغون بول
واحد من أعظم مسلسلات الأنمي في التاريخ، لدرجة أن حتى المسلسلات التي تعد الملوك الخمسة لأنيميات الأكشن والشونين تأثرت به واقتبست الكثير منه. وهي:
- ون بيس One Piece.
- ناروتو Naruto.
- بليتش Bleach.
- فيري تيل Fairy Tail.
- هانتر إكس هانتر Hunter x Hunter.
دراغون بول هو الأنمي الأقوى والأغنى في القتالات ذات النمط الواحد والمستويات الصاعدة. الأنمي الذي بلغ درجات حماسية لم يرقى إليها أي عمل آخر مهما بلغ من درجات تشويقية.
كل هذا ولكن القصة هراء. بغض النظر عن العديد من الجوانب الفاتنة بالقصة، إلا أنها لا تحكى سوى عن بطل محب للخير يريد أن يكون أقوى، وفي سبيل تحقيق هدفه قد يتسبب في أحداث أفظع من تخيلات الأشرار أنفسهم.
القصة لا تروى سوى قصة بطل يريد أن يصير أقوى، فيقابل خصمًا قويًّا ليلقى صعوبة في هزمه، فتتزايد قوته بصورة اعتباطية وهزلية، ليهزمه باحثًا عن خصم أقوى. وهكذا، تدور العجلة؛ يصير أقوى، يقابل خصمًا أقوى، يصير أقوى. وما الذي يتيح له كل هذا؟
الإجابة أنه لا يموت، أو بتعبير أدق، يموت ويعود حين يرغب بذلك من الموت. الموت ليس إلا نزهة، أو (تغيير جو). خاصة وأن ذلك يتوافق مع الخاصية التي يملكها البطل وشعبه السايان Saiyan، وهي أنهم يصيرون أقوى كلما خاضوا تدريبًا أو قتالًا كادوا يموتون فيه؛ فما بالك إذا إن ماتوا بالفعل، وماتوا مرارًا.
اسم العمل دراجون بول Dragon Ball، يعني كرات التنين. وهي كرات سحرية صنعها جنس فضائي لتكون قادرة على تحقيق أي شيء، وتنفيذ ثلاث أمنيات لمن يقدر على جمع كرات التنين السبعة.
هذا سابقًا، حيث ظهرت حدود لهذه الكرات، إلا أن الموت ليس من الأشياء التي تتخطى تلك الحدود. وينتج عن ذلك:
أولا: تناقض قاهر يغلي له الدم ويستفز منه المشاهدين، حيث أن هناك شخصيات حزن الجميع لموتها، رغم أن لديهم القدرة على إعادتها. بل ويغالون ويبالغون في الحزن على أي شخصية مهمة ماتت أو ستموت، في صورة مأساوية، بالرغم من المقدرة على الرجوع في أي وقت. ومثال آخر هو أن الشخصيات الرئيسية مثل بطل العمل غوكو Goku ورفاقه باتوا يتحدثون عن إعادة شعوب تمت إماتتها كأنه عرض جانبي، ومشكلة هينة لأقصى حد، ولا داعي حتى للنظر إليها!
والأمثلة عن تلك الحماقات أكثر من حصرها هنا.
ثانيًا: وهي تلك القدرة الهزلية على إرجاع الموتى التي صارت تمتلكها تقريبًا جميع الشخصيات التي تحظى بظهور جيد على الشاشة في هذا الأنمي، بغض النظر عن أهمية هذه الشخصيات أو مكانتها أو قوتها أو قدراتها. صار الجميع تقريبًا يستطيعون إعادة أي شخص من الموت، سواء كان من الآلهة السماوية أو من المخلوقات الفانية. حتى أن الأمر لم يعد مقتصرًا أو مشروطًا بكرات التنين. لدرجة أن شخصية ضعيفة مثل الساحرة العجوز فورتونيتيلر بابا Fortuneteller Baba تستطيع إعادة جوكو للقتال يومًا كاملًا، ولكن مع حلقة الملائكة فوق رأسه للدلالة على أنه ينتمي للموتى. وحين انتهى ذلك اليوم، عادوا للتأثر الباكي قبل رحيله، مع أنه عاد كالمعتاد مرةً أخرى لاحقًا!
ثالثًا: التمادي في ذلك أكثر بحيث أنه يصعب تذكر عدد المرات التي عادت فيها الشخصيات من الموت! ولا ننسى أنهم دومًا يملكون المقدرة على ذلك! حتى أن أخطر الأشرار أعادوه من الموت ليكمل نشاطاته الشريرة، وأعني فريزا Frieza بالطبع.
رابعًا: محاولة وضع حدود مثل أن من يموت أكثر من مرتين، أو ربما ثلاثة، لا يمكن استخدام كرات التنين لإعادته مرارًا. وتم كسر تلك الحدود بكرات أكبر قليلًا، حيث أن الكرات الأولى كانت بحجم قبضة اليد، والكرات الجديدة، والمفترض أنها الأصلية، بحجم كرة القدم!
وهو ما ذكرني بالنكتة التي تحكي عن الشباب الذين يلعبون كرة القدم على الطريق السريع، ومن تصدمه سيارة مرتين، يخرج من اللعبة.
إلّا أنه تم صنع تهديد أعظم بواسطة قوى لا يمكن لأحد استخدامها إلا آلهة عالم دراجون بول، مثل قوة التدمير Energy of Destruction التي تملكها آلهة الدمار Gods of Destruction مثل بيروس Beerus. وقوة المحو Erase التي لا يملكها سوى زينو Zeno، الإله الأعلى والكيان الحاكم على كل الأكوان المتعددة في عالم دراجون بول. الإله الذي لا يدانيه أحد، سابقًا بالطبع، قبل أن يظهر نظيره من المستقبل. حتى اتضح أنه يوجد كرات أكبر بحجم الكواكب، وتنين أعظم بحجم المجرات، قادر على كسر هذا التدمير وهذا المحو، الذي كان من المفترض أنه يتخطى الموت التقليدي الهامشي.
إن دراجون بول هو أقوى عمل همّش الموت وحط من قيمته، حتى أن الأعمال التالية بالرغم من حساسية الذي فعلته، إلا أنها تكاد لا تقرب دراجون بول في فعاله بالموت.
ناروتو
هناك فرق بين الحماسية والتشويقية؛ يوجد عملان وقع عليهما تأثير دراجون بول يتنافسان بقوة معه في الصعود إلى أعلى مراتب التشويقية، هما ون بيس وناروتو. ذلك الأخير الذي بلغ حد إخراج لوحات تشويقية ودرامية لا تُنسى. وعلى هذا الخط يكاد ناروتو أن يخلو من أي عيب، خاصة مع تعاقب الأحداث وتطور البطل وصولًا إلى حدث هجوم بين Pein زعيم الأكاتسكي Akatsuki على قرية الورق. هنا المسلسل تحفة فنية متكاملة، ولكن الكاتب أفسد كل شيء في حدث حرب النينجا العظمى الرابعة، حيث أعاد كل من هب ودب على أرض النينجا باستخدام تقنية إحياء الموتى، والمسماة بـ الإيدو تينسي Edo Tensei.
أولًا: هو ناقض نصف موازين القوة التى أرسى قواعدها منذ بداية المسلسل؛ فمثلًا الهوكاجي الأول هاشيراما Hashirama تم توضيح أنه أقوى من القيد الذي يحل على الموتى عند استدعائهم، وخارج عن السيطرة تمامًا، رغم أن السيطرة عليه والتحكم به من قبل أورتشيمارو كانت سبب معاناة الهوكاجي الثالث ساروتوبي Sarutobi في معركته ضد أوروتشيمارو Orochimaru، الذي يعد واحدًا من أساطير النينجا الثلاثة.
ومن ذلك أيضًا ما هى حدود القدرات التي يملكها كابوتو؟ كيف بلغت به القوة لدرجة أنه الوحيد الذي استطاع فعل كل ذلك، والتحكم بجيش من الموتى، ومن بينهم أساطير من المقاتلين، دون حتى التمهيد لذلك سابقًا؟!.
والحرب امتلأت بالكثير من الثغرات والسقطات التي غطت بشكلٍ مروع على المتعة التي كان من الممكن أن يحظى بها المشاهد. المشاهد العاشق للأنمي، والذي فعّل عقله خاصية التماهي ربما إلى أقصى درجاتها، حتى يحظى بالمتعة المطلوبة من العمل.
ومن لا يعرف ما هو التماهي، فيمكن شرحه بهذه العبارة، التي تصف الحالة بين الكاتب والقاريء، المخرج والمشاهد: “دعني أخدعك – دعني أنخدع”. كما وضحها الكاتب الكبير أحمد خالد توفيق. وهنا بالضبط يتضح الفرق بين الحماسة والتشويق، حيث يسير الأخير على قواعد منطقية، بينما تحتاج الأولى إلى تنازلات عقلية.
ثانيًا: تهميش الموت، بشكل أقل حدة بمراحل من ما حدث في دراغون بول. ولكن يكفي القول بأنه لم يسبق أن أعاد عمل هذا العدد من الشخصيات التي ماتت في أزمان مختلفة، وأعادهم في حيز مكاني وزماني ضيق، هو فترة وأرض الحرب العظمى الأخيرة التي حدثت في ناروتو شيبودن Naruto Shippuden.
كل هذا فعله الكاتب فقط ليجمع معظم أساطير عالم النينجا كورقة رخيصة لزيادة الإثارة والتشويق في الأنمي عن الحد الذي بلغه بالفعل، وهو مستوى مرتفع جدًا لا تصل إليه إلا أعمال استثنائية، لتكون سقطة مريعة في العمل ككل.
المنتقمون
السلسلة السينمائية الأكبر من بين جميع أفلام عالم مارفل السينمائي MCU الذي يعد واحدًا من أشهر العوالم الخيالية في تاريخ السينما. لقد أبدعت السلسلة إحدى تصورات الموت، وهي خدعة الموت من الساحر لوكي، الذي يموت أكثر من مرة، ويتضح لاحقًا أنها ميتة مزيفة. لدرجة أنه حين موته الحقيقي، لم يعرف المشاهدين هل مات فعلًا أم أنها خدعة أخرى.
والشيء الثاني أنهم لم يتجاوزوا القاعدة المشهورة، أنت تموت أو لا تموت. لكن لا مجال لأن تموت وترجع من الموت، حتى حدثت كارثة الجزأين الأخيرين.،اللذان قسّما السلسلة المتكونة من أربعة أفلام إلى فيلمين وفيلمين. الجزآن الأول والثاني تحت عنوان المنتقمين، والجزآن الثالث والرابع تحت عنوان حرب اللانهائية.
العناوين الدقيقة للأفلام الأربعة هي:
- المنتقمون The Avengers 2012.
- عصر ألترون Age of Ultron 2015.
- حرب اللانهائية Infinity War 2018.
- نهاية اللعبة Endgame 2019.
والسلسلة ككل معنونة باسم المنتقمين، والآن لننتقل مباشرة إلى الجزء الثالث، وبذات السرعة ننتقل إلى نهايته. نهاية صادمة وغير متوقعة، مأساوية وكارثية لأبعد مدى. حيث حقق الشرير هدفه الذي يقضي بمحو نصف الخليقة من أجل حفظ التوازن في الكون.
إلا أن كل هذه النهاية المروعة تتساقط أمام خطأ فادح؛ وهو المشاريع المستقبلية التي تم الإعلان عنها لأبطال العمل، والتي ترسم خطًا لحياة بعضًا منهم لما بعد كارثة ثانوس Thanos، مما يؤكد نجاتهم من هذا المحو الظاهري الذي همشه العمل وجعله أبعد عن الموت الحقيقي.
وهذا ما يتأكد في الجزء الأخير بعودة كل من مُحِي، بينما يظل كل من مات ميتًا. إلا أنه يُشهد للعمل أنه لعب على هذه الجزئية في نهاية الفيلم ببراعة شديدة، ارتقت بمستوى التشويق عن الجزء السابق له.
صراع العروش
أعظم مسلسل فانتازيا في التاريخ، تحفة التلفزيون الأمريكي، المسلسل الذي صنع نقطة تحول في تاريخ التلفزيون والسينما. إنه المسلسل الأقوى والمسمى بـ لعبة العروش Game of Thrones.
عُرف عن المسلسل ميله الحاد للواقعية بالرغم من أنه غني بمختلف عناصر الفانتازيا، وواحد من أهم الدلائل على ذلك هو فتكه القاسي بأبطال المسلسل، وإماتتهم بشتى الطرق وفي مختلف المناسبات، من إعدام إلى اغتيال إلى قتل أو تسميم أو مؤامرة، أو الموت في المعركة.
وكان هذا من أهم العوامل التي جذبت ملايين المتابعين إليه، وأسرت قلوبهم أجواء المسلسل.
لكن حتى ماذا؟
أولا: حتى قُتل جون سنو Jon Snow في نهاية الموسم الخامس وعاد في الحلقة التي تليها في الموسم السادس. وبالرغم من أنه عمل فانتازي، إلا أنه في هذه المرة، وهو لم يفعل ذلك أبدًا في المواسم الأولية الأعظم، لم يقدم أي مبررات منطقية بشكل كافي لعودته.
ثانيًا: المهزلة الحاصلة في الحلقة الثالثة بالموسم الثامن والأخير، والمعنونة باسم الليلة الطويلة The Long Night. بغض النظر عن الميتة الهزلية حادة الغباء التي حظى بها- المرحوم- ملك الليل The King of Night الذي تم الإعداد والبناء لشخصيته وملحمته منذ المشهد الأول من الحلقة الأولى بالموسم الأول. إلا أن الذي يوازي ذلك في الهزلية هو العدد الكبير من الشخصيات التي نجت من الموت بطريقة اعتباطية، ومن أغبى ما يمكن تقديمه على الشاشة. لم يمت في الحلقة كلها إلا سبعة شخصيات غالبا من المستوى الثاني والثالث في الأهمية. بينما الشخصيات التي احتضنها الموت حرفيًا، لم تمت؟!. ومن ذلك نذكر سبعة شخصيات على الأقل:- آريا ستارك Arya Stark – سانسا ستارك Sansa Stark – جون سنو – دينيرس تارجارين Daenerys Targaryen – تيريون لانستر Tyrion Lannister – جيمي لانستر Jaime Lannister – صامويل تارلي Samwell Tarly.
طوكيو غول
العودة من الموت وقتما تريد في دراغون بول.
عودة الجميع من الموت في ناروتو.
العودة إلى الماضي وإلغاء الزوال في المنتقمين.
كسر الواقعية والمنطقية في صراع العروش.
وأخيرًا الدموية المبتذلة في طوكيو جول.
ولا يمكن إضافة أكثر من القول إن تقريبًا جميع الشخصيات الرئيسية وشبه الرئيسية المنتمية إلى جنس الغيلان في عالم طوكيو غول، خاصة في الموسم الثالث والرابع، جميعها يتم ذبحها.
ولكن لا يعد الذبح أو الطعن أبدًا مؤشرًا للقتل أو الموت؛ بل هذا يرجع لقرار صناع العمل. هل يريدون للشخصية أن تموت أم تستمر بحجة أنها أقوى من هذه السخافات. إضافة إلى العودة المبتذلة لثلاث شخصيات رئيسية، حدث بناء درامي راقي على ميتاتهم، مما أفسد نهايتهم. ولكن خلاصة القول، لا يمكنك أبدًا أن تكون متأكدًا تمامًا من موت شخصية ما.
كيف أفسدت هامشية الموت روعة أعمال بأكملها! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق