يعتبر الجانب الأدبي في اليابان خصباً ومماثلاً تماماً للجانب التقني المعروف لديها، من حيث الكم الوافر وإمكانية البحث والتطوير الدائم، خاصَّةً في المجال الروائي. ولاقت الروايات اليابانيَّة مديحاً من قبل النقَّاد حول العالم في القرن العشرين، لا سيما بعد حصول ياسوناري كاواباتا على جائزة نوبل في الأدب عام 1968 كأوَّل أديب ياباني يحصل على هذه الجائزة الرفيعة. وبالتالي تم لفت أنظار العالم إلى مُجمل الأدب الياباني المنعزل ومن ثمَّ ترجمته إلى مختلف اللغات، كان منها اللغة العربية. اليوم سوف نتحدث عن أهم الروايات اليابانية يا رفاق، مسلطين الضوء على أبرز الأعمال والروّاد، هيا بنا!
الروايات اليابانية بفترة ما قبل الحرب العالمية الثانية
ناتسومي سوسيكي، 1867-1916
يعتبر من أعظم كتاب اليابان، ولد قبل سنة من عهد الإمبراطور ميجي 1852 – 1912 وبذل قصارى جهده في الكتابة حتى وهو على فراش الموت فعلًا. وعلى الرغم من أن ثقافته الغربية والمتأثرة بالأدب الغربي، بيد أنه يعزى إليه الفضل في إحياء الثقافة اليابانية. واعتُبِر السيد سوسيكي من أوائل الذين اهتموا بالحداثة وكتابة روايات مظلمة تتناول الجوانب النفسيَّة للبشريَّة. كان يعرِّف عن نفسه للآخرين بالعجوز البغيض، لا يجري محادثات مع أي شخص إلا إذا كان من ضمن دائرة الأصدقاء المقربين.
بدأ مسيرته مدرساً، واختارته اليابان في سن الثلاثين للسفر إلى إنكلترا، حيث أمضى سنتين في لندن ليعود إلى اليابان محاضراً في جامعة طوكيو. كان فعلًا يعاني من انهيارات ونوبات عصبية متكررة تدفعه للتوقف عن مهنة الكتابة. كتب قرابة الـ37 مؤلفاً بين الرواية والنقد، وأحاط نفسه بمجموعة من المثقفين الأذكياء.
وتُرجِمت له إلى اللغة العربيَّة مجموعة أعمال منها: فتاة اسمها ناوومي الصادرة بترجمة عربيَّة من فكري بكر عن دار الآداب اللبنانيَّة عام 1990، وأيضاً رواية قلوب الناس المعذبة التي صدرت بترجمة علي باشا عن منشورات وزارة الثقافة في دمشق خلال العام 1993، كما وأصدرت دار مسكيلياني ترجمة عربية لروايته وسادة من عشب أنجزها وليد السويركي خلال العام 2019.
الروايات اليابانية بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية
ذُكَر الروائيَّون اليابانيون بعد الحرب العالميَّة الثانية ضمن مجموعةٍ دُعيت بالبوندان، واعتبروا ممثلين للأدب الصافي مقابل الأدب الشعبي. وشكّل كوكبة من الكتاب نواة المرحلة، نذكر منهم: كوبو آبي، جونيتشيرو تانيزاكي، يوكيو ميشيما، شوكورو ياماموتو، ياسوناري كاواباتا، كينزا بورو أوى وغيره. وشكَّلت رواية إيبوسي ماسوشي بالتحديد، والمعنوَنة بالمطر الأسود، أهمّ رواية في المرحلة. والتي اهتمت باستعادة اليابان لكيانها وشخصيَّتها واعتبارها في الحرب العالمية الثانية. في السطور التالية نقدم تأريخًا لأبرز الروائيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
أوسامو دازاي، 1886 – 1965
أشدّ كتاب الروايات اليابانية عدميةً، لاقى إعجاباً منقطع النظير من قبل النساء اليابانيات على إثر كتاباته العاطفيَّة، وكان مدمناً على الكحول. وانتحر في التاسعة والثلاثين من عمره بعد مسيرةٍ حافلة من الاضطرابات الشخصية والنزاعات مع الناس والأدباء. وُصفت كتابتهُ مجملًا بالحسَّاسة والمرهفة والمشرقة حتى وهو غارق في التشاؤم والعتمة. من مؤلفاته الأثيرة: رواية شمس غاربة، والتي صدرت بترجمة عربية عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي في دمشق خلال العام 1965، ورواية لم يعد رجلاً بترجمة محمد عضيمة، والتي صدرت عن دار التكوين السوريّة.
روايته لم يعد رجلاً تُعتبر سيرةً ذاتية بدأها بعبارة مثيرة للاهتمام: حياتي مخزية للغاية. إنها واحدة من أهم روايات الاعترافات بلسان راوي ليس في القصة إلا ضمير دازاي ذاته. وتتحدث الرواية عن اختيار دازاي لفكرة للعيش منعزلاً في سنٍّ صغيرة، يمكننا القول أنها رواية تبحث في الجنس والسياسة والكحول والمخدرات، والانتحار أيضًا.
ذلك المكوَّن الأساسي في جسد الرواية اليابانيَّة مجملًا. وانتحر دازاي مع حبيبته في عيد ميلاده 19 حزيران -يونيو من العام 1948. حصل ذلك بأنه قرر إغراق نفسه مع حبيبته في قناة مياهٍ في طوكيو. كما أنه احتفل اليابانيون بعام 2009 بالذكرى المائة لولادته باستعراضٍ عسكري عظيم، وبيع ما يربو فوق المليون نسخة من أعماله في نفس السنة، كما أن حياته شكَّلت موضوعاً لفيلم وثائقي فرنسي.
جونيتشيرو تانيزاكي، 1886- 1965
تأثر تانيزاكي بـ إدغار آلان بو – Edgar Allan Poe، وقد راهن الكثيرون على نيله لنوبل خلال فترة حياته. هرب من طوكيو بعد حدوث الزلزال العظيم بعام 1923 حيث انتقل إلى كانساي، ومن ثمّ إلى العديد من المناطق المتنوعة بداخل اليابان. تزوج المؤلف تانيزاكي ثلاث مرات، الأولى وهو بسن التاسعة والعشرين من عمره ثم بعدها تزوج من موظفة شابة كانت تعمل في مجلة أدبي.
إلا أن زوجته الثالثة كانت عائلتها مصدراً لإلهامه في عمله الشهير: الأخوات ماكيوكا. ذلك العمل الذي يشبه السجل العائلي الكبير، وسرد لحكايات شعبية. وله أيضاً البعض يفضِّلُ أزهار الشوك التي تدور حول زوجين يتصارعان مابين التقليد والحداثة. وهو بدون شك أحد أهم كتاب الروايات اليابانية في تلك الفترة.
اعتُبرت روايته الأخوات ماكيوكا كأفضل رواية يابانية حديثة، وقال عنها الفيلسوف جان بول: إنه عمل يعطي معرفة شاملة عن البلاد اليابانية. تدور الرواية حول تاجر كبير له أربعة فتيات، حيث توجد مؤامرة لإيجاد زوج مناسب لإحدى الأخوات. حكاية حب وتصوير لضياع الطبقة الراقية. ومن أعماله كذلك: التاريخ السريّ لأميرِ موساشي، والمفتاح الذي تعامل فيها مع المواضيع الجنسية مثل السحاقية والماسوشية إضافةً لمجموعة من القصص الغريبة.
يوكيو ميشيما، 1925- 1970
أحد أكثر كتَّاب الروايات اليابانية جدلاً، رشَّح مرتين لنيل جائزة نوبل للآداب، كان ضابطاً في الجيش وانتحر بطريقة كرنفالية حين حاول الانقلاب عسكرياً. كتب 40 رواية، وأشهرها رباعيته بحر الخصب واعترافات قناع وأيضاً البحار الذي لفظه البحر وعطش الحب، إضافةً لاشتغاله في المسرح وكتابة مئات المقالات والقصص القصيرة ومخطوطات لأفلام سينمائية.
كان ابناً لمسؤول حكومي، وخلال مرحلة طفولته كان طفلاً غير طبيعي، خائف من أصدقائه. وهذا دفعه إلى التقوقع على نفسه والبحث على مأوىً آمن في الكتابة. وتشكل أهم رواياته: اعترافات قناع، والتي صدرت في نسختها العربيَّة عن دار التنوير وبترجمة أسامة الغزولي، سيرةً ذاتية مليئة بأفكاره وخصوصية حياته.
ياسوناري كاواباتا، 1899 – 1972
المعلم ياسوناري كاواباتا كما كان يُلَقَّب في اليابان، حاز على جائزة نوبل للأدب في العام 1968 وانتحر بشكل غامض في العام 1972 دون أن يترك خلفه أي ملاحظة بخصوص سبب انتحاره. وتتضمن أعماله من الروايات اليابانية رواية بلاد الثلج والعاصمة القديمة وحزن وجمال و ضجيج الجبل، أسلوبه في الكتابة غنائي ووصفي. عانى في حياته من الأرق فبالتالي أدمن على الحبوب المنوّمة وتمتع بخلوته إضافة لارتياده بعض الحانات في طوكيو. وفي روايته بلاد الثلوج، حكى الكاتب قصة صحفي مولع بفتاة غيشا (نوع من الغجر اليابانيين الذين يحبون الغناء والرقص).
وهي رحلة سفر يبرع كاواباتا في سردها بطريقته الدقيقة والمفرطة في الوصف، إضافةً إلى كتابته لنوع قصصي ياباني يدعى الشوسيتسو أي القصة القصيرة جداً -عربياً – وله كتاب يحوي كمَّاً هائلاً من هذا النوع اسمه (قصص بحجم راحة اليد). والتي يقال أنها عبارة عن مسودَّات أولية لأعماله الروائية التي تبلورت فيما بعد، إضافةً إلى روايته الآسرة التي أتت تحت عنوان العاصمة القديمة.
كينزا بورو أوي، 1994 – حتى الآن
نال جائزة نوبل في العام 1994 واعتبر مثقفاً هائلاً رغم أنه لم يُقرأ في اليابان بشكل جيد، لكنه عبقري في الروايات اليابانية مجملًا. كتب مجموعة روايات تدور حول البحث عن النفس والذات في المرحلة التي تلت الحرب، قال عنه هنري ميلر – Henry Miller:
إن الأمل في كتابات أوي؛ مختبئ. وفي كتابته ثمة لمسات من طريقة دوستويفسكي. على الرغم من أن مجمل ما كتب اندرج تحت الوصف الغنائي والعاطفي، إلا أن الوصول إلى فهم معين يكون صعباً بطريقة ما.
مُنح نوبل بحسب الأكاديمية السويدية لعالمه المتخيل، حيث تكثيفٌ للحياة والأسطورة، ليشكل بذلك صورة عن المأزق الإنساني اليوم. وانتشر في اليابان في فترة الستينيات وكان قرائه من الطلاب الجامعيين اليساريين.
كتاب أوي كوكبة من الروايات اليابانية لكن الأكثر شهرة هي رواية هيروشيما، وفيها تحليل ووصف للقصف الذري لهيروشيما. وهي عمل مقترن بسيرة أوي الذاتية حول شعور أب نحو طفله المتضرر دماغياً، أيضاً رواية الصرخة الصامتة. وفي العام 1993 قرر الكاتب الابتعاد عن مفهوم الكتابة تمامًا، لولا أنه غير رأيه بعد الهجوم على نفق في طوكيو.
كتب في العام 2001 روايته آغوي وحش السماء التي يتحدث فيها عن ولدان ينتحران، إضافة إلى 16 مقالة تدور حول طفولته. أما روايته الأخيرة فهي رواية البستان، وتتعلّق بسيرة نسيبه ومحاولته الانتحار، اعتمد فيها على مناجاة مسجَّلة للمنتحر قبل انتحاره. وفيها تقنية قصصية مليئة بالممرات المظلمة المعتمة، إن ذكره لولده المعاق وزوجته الجادة في أعماله يعطي مؤلفاته نوعية رثائية.
في خطاب نيله لنوبل قال:
إن الحشمة كانت الشيء المهم في اليابان، ولكنها أمة باتت تعاني تصدُّعاً وتصارعاً بين قطبين معاكسين، وهذا التصارع وجد على العديد من الطبقات. لكن المصدر الأساسي لذلك الانقسام بين اليابان الحديثة مركز النفوذ الاقتصادي والتقني، وبين اليابان التقليدية.
شوساكو إندو، 1923 – 1996
كاتب ياباني له صيت كبير في كتابة الروايات اليابانية وأيضاً ذو شهرة في العالم كله. كتب عن الأخلاق والدين وغيرهما، كان إندو كاثوليكياً، وتضمنت رواياته عزلةً وتعصباً بسبب المشاعر التي استؤصلت منه كمسيحي في بلاد يندر فيها المسيحيون، كان رجلاً ضعيفاً وعانى من أمراض مختلفة في كل مراحل حياته.
ولد في طوكيو في عام 1923 وقضى أغلب شبابه في منطقة مانشوريا، ثم عاد في عمر العاشرة مع أمه المطلقة وشقيقته إلى العاصمة. توفي الكاتب في عام 1996 ومن أهم رغباته الأخيرة أن يُدْفَن في ناغازاكي مركز الكاثوليكية في اليابان، ولكن أفراد عائلته أصرّوا على وضع رفاته في مقبرة العائلة في طوكيو.
كتب روايات شعبيَّة معتمدة على التاريخ بشكل أساسي، كروايته البحر والسمّ، التي تعتمد على سرد واقعي لأسير حرب أمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية. وأيضاً الصمت، وهو كتاب عن اضطهاد المسيحيين البرتغاليين في القرن السابع عشر. وأيضاً لدينا الكتاب الهام: حياة السيد المسيح، وهو عملٌ حاول من خلاله إيصال فكرة المسيح بطريقة سهلة لليابانيين. وكتب كذلك رواية النهر العميق، وفيها يبحث عن الحقيقة الدينية في الهند.
الروايات اليابانية بحر واسع، دعونا نتعرف على أبرز الأعمال والروّاد! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق