كانت كرة القدم -وما زالت حتى الآن- متربعة على عرش أكثر الألعاب شعبية في العالم. يظهر ذلك واضحاً في المناسبات الكبرى، مثل منافسات كأس العالم التي تُقام كل أربعة سنوات، والتي تصبح محط أنظار الناس في كافة أرجاء الكرة الأرضية. وكذلك في الدوريات المحلية الكبرى مثل الدوري الإسباني والألماني والإنكليزي والإيطالي وغيرهم الكثير.
كرة القدم في التاريخ القديم كما لم نعرفها
مرّت اللعبة بالكثير من التغيّرات حتى وصلت إلى الشكل الذي نعرفه في وقتنا الحالي. تشير الدراسات إلى أنّ البدايات الأولى لهذه اللعبة تعود إلى القرنيّ الثاني والثالث قبل الميلاد، في مناطق مختلفة في العالم في مصر وأمريكا الوسطى واليونان والصين واليابان.
في أمريكا الوسطى
انتشرت في أمريكا الوسطى ما يُعتقَد بأنّه أول لعبة جماعية تتضمن كرة، إلّا أنّها في الحقيقة كانت عبارة عن صخرة. وفقاً للآثار والمخطوطات، فإنّ الكرة ترمز إلى الشمس، ويُعتَقَد بأن اللعبة هي شكل من أشكال الطقوس الدينية. إذ يتم التضحية بقائد الفريق الخاسر لنيل رضا الآلهة.
في الصين
مارس الصينيون القدماء في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد خلال تدريباتهم العسكرية، تمريناً يسمى تسو تشو – Tsu’ Chu. يمكن اعتباره كواحد من إحدى النسخ القديمة للعبة كرة القدم. كانت الكرة مصنوعة من جلد الحيوانات، ويتم ملؤها بالريش والشعر، يهدف كل فريق إلى إدخال الكرة في شبكة صغيرة مثبتة على قصب الخيزران. ويستخدم كلا الفريقين أجسامهم للدفاع عن شبكتهم، في حين يمنع استخدام الأيدي لالتقاط الكرة.
في اليابان
بعد حوالي 500 عام من انتشار تسو تشو في الصين، ظهرت لعبة كيماري – Kemari في اليابان، إلّا أنها اتسمت بقلة العدائية مقارنة بتسو تشو. بل من اللافت أنّ الجميع يعمل كفريق واحد بهدف منع سقوط الكرة على الأرض.
في اليونان
انتشرت في اليونان القديمة لعبة كانت تُدعى Episkyros، وتتضمن كرة مصنوعة من الجلد ومملوءة بالشعر، وفريقان يتنافسان على استحواذ الكرة. كما أن هذه النسخة من كرة القدم تتضمن استخدام الأقدام فقط، لا الأيدي.
في روما القديمة
مارس الرومان إحدى الألعاب مستخدمين الكرة، إلّا أنّ ذلك لم يكن بقصد الترفيه بل كان يتم كأحد تدريبات الجيش. ومن المعتقَد بأن الثقافة الرومانية هي الأكثر تأثيراً في هذا المجال على الإنكليز، الذين لهم الفضل في تطوير كرة القدم لتصبح كما هي اليوم.
تطور اللعبة في إنكلترا
لعب الإنكليز حوالي القرن الثاني عشر كرة القدم في الساحات والمروج، إلّا أنها كانت مختلفة عن شكلها الحالي. فقد كانت اللعبة تتسم بالخشونة والعنف؛ إذ يسمح فيها لكم الكرة بقبضة اليد إلى جانب الركلات. وفي كثير من الأحيان تنتهي اللعبة بأعمال شغب تودي بحياة البعض في كثير من الأوقات. أدى ذلك بدوره لأن تُحظَر هذه اللعبة لفتراتٍ عدة، إلى أن أُعيد السماح بممارستها في القرن السابع عشر.
ليعود الحظر مجدداً حتى العام 1835، لكن مع العمل على جعل اللعب منظماً أكثر من خلال تشكيل الفرق في الجامعات والكنائس والمعامل. تم تشكيل العديد من الفرق التي تلعب الكرة في إنكلترا، إلّا أنّه كان من الصعب إقامة مباريات بين المدن والمدارس المختلفة، بسبب أنّ كل مدينة كانت تعتمد قوانينها الخاصة في اللعب.
في العام 1848 وضعت جامعة كامبريدج مجموعة من القوانين لتنظيم لعبة الكرة عُرِفت باسم قواعد كامبريدج، وسرعان ما بدأت الجامعات القريبة منها باتباع هذه القوانين شيئاً فشيئاً.
تضمنت هذه القواعد السماح بالتمريرات والرميات إلى الأمام، وركلات المرمى. في حين أنها منعت الركض أثناء التمسك بالكرة. من ناحية أخرى كان الناس في منطقة شيفيلد قد وضعوا قوانينهم الخاصة والتزموا بها، بالإضافة إلى الأندية الشمالية التي اتبعتها أيضاً. ومن الجدير بالذكر أن قواعد شيفيلد أقرب ما تكون إلى قواعد لعبة الركبي الأمريكية.
القوانين الرسمية لكرة القدم
لم تتوضح قواعد كرة القدم بشكل رسمي إلّا في القرن التاسع عشر في إنكلترا، وتحديداً في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر من العام 1863 ميلادية. حيث اجتمع ممثلون عن إحدى عشر نادياً من إنكلترا في حانة Freemason في شارع Great Queen Street، وذلك بهدف وضع قواعد ثابتة وشاملة للعبة.
استمرت الاجتماعات على مدى ثلاثة أشهر إلى أن تمّ وضع النسخة الرسمية من قوانين اللعبة. وذلك على الرغم من انسحاب بعض الأندية من هذا الاتحاد بسبب إزالة قاعدتين متفق عليهما في اللعب؛ ما ساهم في عرقلة عملية وضع قوانين اللعبة.
القاعدتين اللتان تم الخلاف حولهما وإزالتهما، هما:
- السماح للاعبين بالركض وهم يحملون الكرة بأيديهم.
- السماح بإعاقة اللاعب في القاعدة الأولى.
إثر هذه الحادثة حدث الانقسام بين أندية الكرة، ثم انتقلت بعضها لتلتحق باتحاد الركبي، في حين التزم الباقون بالقواعد المنصوص عليها. وهنا تم اعتماد مصطلح كرة القدم بمفهومها الحالي.
كرة القدم في القرن العشرين
بدأت كرة القدم مع بداية القرن العشرين بالانتشار في جميع أنحاء أوروبا، وهنا كانت الحاجة ملحة لإنشاء منظمة دولية تهتم بشؤون كرة القدم. وبالفعل اجتمع ممثلون عن اتحادات كرة القدم في بلجيكا والدنمارك وفرنسا وإسبانيا والسويد وسويسرا، وتمّ الاتفاق على إنشاء الاتحاد الدولي لكرة القدم – FIFA في العام 1904.
يعمد الإنكليز إلى أن ينسبوا لأنفسهم اختراع كرة القدم، إلّا أنّه لا يمكن لأحد إنكار أنّ بدايات كرة القدم كانت قبل ذلك التاريخ بسنوات طويلة. حتى أنّ منظمة الفيفا تعترف بأن الألعاب التي كانت تقام في مناطق مختلفة من بقاع العالم في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، ما هي إلّا نسخة مبكرة من كرة القدم.
كرة القدم بين الماضي والحاضر: تاريخ مليء بالابتكارات والنزاعات! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق