كانت تعد الشهادة الجامعية استثمارًا جديرًا بالاهتمام وخصوصًا عند التقدم لوظيفة معينة، حيث كانوا سابقًا يفتتحون المقابلة بسؤال المتقدم من أي جامعة تخرج. ولكن في أيامنا هذه ونظرًا لظهور العديد من رجال الأعمال البارزين (العصاميين) وقادة الفكر الذين تجاوزوا التعليم الثانوي تمامًا، يعتقد البعض أن الشهادة والتعلم الأكاديمي أصبحا أمرًا مهمشًا ويرون أن المهارة والخبرة هما ما يجب البحث عنهما فقط بالنسبة للقبول الوظيفي.
ولكن من جهة أخرى يرى البعض أن التعلم أصبح في مرحلة متقدمة اليوم، ولا يمكن أبدًا تجاهله ومهما كان الشخص خبيرًا، فلا بد من النظر إلى محصلاته العلمية. سيناقش هذا المقال وجهات النظر المختلفة حول تفضيل التعليم الأكاديمي أم المهارة العملية.
التعليم الأكاديمي دائمًا له الأفضلية عن المهارة
غالبًا ما يكون خريج الجامعات وصاحب التحصيل العلمي، بالنسبة لصاحب العمل ومدير التوظيف، شخصًا لديه سجل أكاديمي مثبت، وأتقن موضوعًا معقدًا. كما أن لديه القدرة على التفكير التحليلي والمنطقي، وتعرض لبيئة محفزة فكريًا، وهو شخص أثبت أنه يمكن أن يرتقي في الرتب ويمكن الوثوق به بأدوار ومواضع أكثر مسؤولية، أكثر من شخص يمكنه فقط أداء المهام المألوفة الروتينية. سيتوقعون من هذا الشخص أن يطبق كل ما تعلمه من المهارة والخبرة والمعرفة لحل مشاكل العمل في العالم الحقيقي.
في أغلب الحالات تسأل الشركات المتقدمين لطلبات الوظائف عن سنوات خبرتهم، فهنا يواجه الخريجون الجدد بعض المشاكل لأن لا سنوات خبرة لهم. ولحل هذا الأمر وتفاديه، تجب عليهم الاستفادة من العديد من فرص التعلم المتاحة. حيث يجب عليهم الانخراط خارج الفصل الدراسي، والتواصل مع أشخاص من مجموعة متنوعة من الخلفيات التعليمية والثقافية.
ولتحقيق أقصى استفادة من التعليم الأكاديمي في الوظائف يجب تعديل المناهج الدراسية لتخريج طلاب جاهزين على الانخراط بمجتمع العمل وحاصلين على جميع الخبرات المطلوبة لتحقيق الفائدة من التعليم والخبرة معًا في عالم العمل.
وبالطبع تتباين أهمية التحصيل العلمي بحسب القطاع.
فعلى سبيل المثال، في المجال التكنولوجي تُعتبر الشهادة الجامعية هي الأهم في التوظيف، بينما المهارة ليست بتلك الأهمية. حيث أن خريج الجامعة يكون على دراية كافية واطلاع واسع على آخر الابتكارات والتطورات، مقارنةً بمتقدم آخر لا يحمل أي شهادة. ومن جهة أخرى لا تهتم بعض القطاعات بالتعليم الأكاديمي. ومن الأمثلة على ذلك المجالات المهنية كالإنشاءات، هنا تهتم هذه القطاعات بأصحاب الخبرة أكثر من التعليم الأكاديمي.
الاستفادة من التعلم التجريبي لاكتساب المهارة
إن التعلم التجريبي هو التعلم عن طريق تجربة المعرفة أو المعلومات التي تحاول اكتسابها كطالب جامعي، بغرض تنمية المهارة بشكلٍ عام.
على سبيل المثال، إن كنت ستتعلم كيفية دق مسمار في لوحة، فبحسب أساليب التعليم التقليدية؛ قد يشرح لك المعلم ذلك نظريًا أو يعرض لك فيديو. أما التعلم التجريبي على عكس ذلك، فهنا قد يأخذك المدرب إلى موقع بناء ويسمح لك بالتعامل مع المسامير ودقها في عدد قليل من اللوحات.
وسيمنحك هذا فكرة أفضل عن كيفية الإمساك بالمطرقة، وكيف أن أداء هذا النشاط البسيط يؤثر على المشروع ككل. مع التعلم التجريبي، يخرج المتعلم من الفصول الدراسية التقليدية وينخرط في بيئة يطبق فيها المهارات التي تعلمها بنشاط.
من فوائد التعلم التجريبي هو أنه يوفر للمتعلم العديد من المزايا. حيث أن بعض الناس يتعلمون بشكل أفضل أثناء التدريب العملي بدلًا من مجرد الاستماع إلى التعليمات أو مشاهدة مقاطع الفيديو. فالانخراط بنشاط في الإجراء الذي تتعلمه، يساعد على جمع المعلومات أفضل وفهم الدرس وحفظه بشكل كامل. إنه يخلق ذاكرة عضلية (ينمي المهارة الحركية)، ما يجعل الوصول إلى الذي يتعلمه الطالب أسهل بمجرد حصوله على الشهادة الأكاديمية والعمل في الميدان.
متى تنتصر المهارة على التحصيل العلمي؟
في أيامنا هذه تقوم بعض الشركات الكبرى بالاهتمام بمفهوم المهارة دون التحصيل العلمي، ومنذ ذلك الوقت ازداد الاهتمام بالمهارات وبتحسينها بحسب احتياجات سوق العمل. ويُعتبر في هذا المجال قرار رئيس أمريكا، دونالد ترامب، بتعديل ممارسات التوظيف وتفصيل مهارات المتقدمين على تحصيلهم العلمي؛ نقلة نوعية هامة في هذا الشأن. فالتوظيف القائم على الاهتمام بمهارات الفرد يدفع الشركات إلى التقدم والتطوير أكثر، بدلًا من اعتماد أسلوب التوظيف التقليدي القائم على الشهادات .
في بعض الأحيان تدفعنا بعض قصص المشاهير الذين استطاعوا تحقيق ثروات هائلة من مهاراتهم، إلى التأكد من أن الشهادة لا ضرورة لها أحيانًا. على سبيل المثال تُعتبر الممثلة إيما واتسون المشهورة بسلسلة أفلام هاري بوتر، من الشخصيات المؤثرة في هذا الأمر. استطاعت إيما تحقيق ثروة كبيرة من عالم التمثيل دون دراسة أي فرع أكاديمي يخص التمثيل، بل هي في الواقع خريجة الأدب الإنكليزي. اعتمادها كان على المهارة التمثيلية الفطرية فحسب، دون أكاديميات.
ومن الأمثلة الملهمة أيضًا والت ديزني صاحب أشهر شركة إنتاج أفلام سينمائية في العالم. كان ديزني رسامًا مبتكرًا للرسوم المتحركة، ومن أشهر إنتاجاته؛ شخصية الرسوم المتحركة ميكي ماوس. حصل على 22 جائزة أوسكار خلال حياته، وتمكن والت ديزني من تحقيق ثروته بسبب حبه للرسم، فكان من الأشخاص الملهمين أيضًا.
على أي حال، هناك العديد من الأمثلة الأخرى لأشخاص لم ينهوا تعليمهم الأكاديمي وأصبحوا شخصيات معروفة على مستوى عالمي واعتمدوا على المهارة قبل أي شيء؛ مثل هنري فورد وستيف جوبز وغيرهم. لذلك نرى هنا أن المهارة هي الأهم. في كثير من الأحيان يشعر البعض أنهم لا ينتمون للفرع الذي يدرسونه، ولكنهم يستمرون بدراستهم لأنهم يعتقدون أن الشهادة الجامعية ما هي سوى بريستيج اجتماعي ولهذا السبب تكثر البطالة بين خريجي الجامعات وأصحاب التحصيل العلمي.
دمج التعليم بالمهارة
من الأفضل تحقيق أقصى فائدة من المهارة، والجمع بينها وبين الدراسة الأكاديمية. وهنا يكمن دور الأهل، وذلك من خلال دعم أطفالهم عند اكتشافهم وجود بعض المهارات أو المجالات التي يهتمون بها، وتشجيعهم على الدراسة الأكاديمية التي تخص مهاراتهم. فعلى سبيل المثال إن كان للطفل اهتمام في الموسيقى، فعلى الأهل هنا دعم الطفل، من خلال إرساله إلى الدورات التدريبية، وتشجيعه عندما يكبر على دراسة الموسيقى أكاديميًّا.
عند دمج المهارة بالتعليم يصبح لدينا أفراد قادرين على الإبداع أكثر في مجالات عملهم، فمن المؤكد أن صاحب التعليم الأكاديمي أفضل وأقوى من حامل المهارة فحسب. المهارة وحدها لا تعني إلغاء التعليم، ففي أغلب الحالات يكون المعيار الأول لتقدير كفاءة الفرد على وظيفة ما، هو تحصيله العلمي أولًا؛ وبعدها تأتي المهارة.
هل المهارة والخبرة تغنيان عن التعليم؟ لنتحدث عن سوق العمل.. بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق