ماذا لو سرح بنا الخيال فوجدنا سندريلا بيننا في هذا الزمان؟ هل ستكون بنفس شخصيتها في الحكاية القديمة التي طالما سمعنا عنها؟ هل سيكون من نصيبها نفس المصير السابق؟ أم أن الأمور والنهايات ستختلف؟!
هذه الأسئلة طرأت على بالي منذ فترة ليست ببعيدة عندما تذكرت موقفي من سندريلا وأنا طفلة.. فقد كنت أراها دائمًا عكس ما صُوِّرت لنا بأنها رمز الجمال والطيبة والسلام والهدوء؛ إذ كنت لا أرها إلا فتاة سلبية راضخة وخائفة وضعيفة ومنهزمة وعديمة الإرادة.. تنتظر شيئًا لن يحدث وإن حدث فهو من قبيل الصدفة ليس إلا..
اعذرني على رأيي هذا، فهو يبدو وكأنه عنيف بعض الشيء لكن معي أسبابي التي سأذكرها لاحقًا. أما الآن فهيا نتذكر سويًا تفاصيل قصة سندريلا باختصار لعل أحد القراء لا يعرفها فيكون على علم بها، وإن كنت على علم بها يمكنك تخطي الفقرة القادمة لنبدأ بعدها في التحليل مباشرة..
عمَّ تخبرنا حكاية سندريلا
تدور أحداث قصة سندريلا حول فتاة تعيش مع والدها ووالدتها حياة طبيعية حتى تتوفى والدتها، وبعد فترة يقرر الأب الزواج من أخرى لتساعد فتاته وتكون أمًّت لها وأُنسًا لهما. يقع اختيار الأب على امرأة قاسية القلب مخادعة ولديها فتاتان، لتأتي بهما ويعشن سويًا مع سندريلا ووالدها.
وفي يوم من الأيام يموت الأب أثناء سفره وتظهر زوجته على حقيقتها فتُسَخّر سندريلا لخدمتها هي وفتاتيها.
تمر الأعوام وسندريلا راضية بحالها كخادمة لزوجة أبيها وبناتها حتى تصل لهن دعوة من ضمن دعوات كثيرة أُرسلت من حاكم البلدة لجميع البيوت التي فيها فتيات غير متزوجات، كانت الدعوة لحضور حفل يقيمه الحاكم ليختار ابنه زوجة له من بين تلك الفتيات.
فترغب سندريلا أن تكون من حاضرات الحفل حتى يتسنى للأمير رؤيتها فقد يختارها، وهي الجميلة التي ترغب في أن تختبر أنوثتها وتشعر بالحياة كبنات زوجة أبيها، لكنهن يملكن رأيًا آخر مخالفًا تمامًا لرغبة سندريلا.
ويوم الحفل وبعد ذهاب زوجة أبيها وبنتيها للحفل، تظهر لسندريلا ساحرة طيبة تقرر مساعدها في حضور الحفل من خلال فستان رائع جديدة وحذاء جميل وعربة فاخرة وغيرها من الخدم ولوازم الأميرات.
لكن هناك شرط واحد وهو العودة قبل دقات منتصف الليل، فوقتها سيزول تأثير السحر وتعود كل الأشياء لطبيعتها.
وبالفعل تدق الساعة 12 صباحًا فتهرول سندريلا راحلة ويتبقى منها فردة الحذاء المسحور الذي خُلع أثناء ركضها.
يبحث الأمير عنها بين فتيات القرية من خلال الحذاء الذي يرفض أن يدخل في قدم أخرى سواها.. وبالفعل يستطيع الأمير من خلاله التعرف على شخصيتها ويقرر الزواج منها… وتنتهي الحكاية!
تحليلي لشخصية سندريلا ورأيي فيها..
شخصيتها السلبية والضعيفة..
أولًا ورغم صغر عمري وقلة خبرتي وقتها إلا أنني شعرت دائمًا بأن هناك خطأ ما..
فكيف جعلت سندريلا شخصًا آخر يتحكم في مصيرها ويستعبدها وهي مكتوفة الأيدي وتلبي كل الرغبات بقول حاضر وآمين، كيف ترتدي ثياب ممزقة والتراب يعلو كل جسدها وهي صاحبة المنزل والابنة الوحيدة التي ترثه، كما أنها أول من تواجدت فيه قبلهن جميعًا، كيف ترضى بكل ذلك وهي ليست الفتاة الفقيرة أو التي لا تملك أي شيء بالعكس بل كان والدها أحد أثرياء البلدة. كل هذه الأسباب وأكثر لا تعطي سندريلا الحق في الرضوخ لرغبات زوجة أبيها والتسليم لها دون إبداء أي اعتراض أو سَخَط وكأنها عبدة أو خادمة ليست إنسانة حرة، ولديها كرامة وعزة نفس.
خطرت في بالي دومًا أسئلة حول الصورة التي وُجدت عليها شخصية سندريلا وكيف صُورت لنا وكأنها ملاك مسالم وجميل يتحمل الذل والأسى، وكأن هذه هي الطيبة، في حين أنني أرى الأمور بشكلٍ مختلف أراها فتاة بائسة تحب الاستقرار وتكره التمرد والتغيير.. أرى من الواجب عليها تجاه نفسها فعل الكثير من الأمور التي تجعلها أقوى وصاحبة إرادة وامرأة مواقف حتى ولو كان مصيرها هو نفسه يكفيها شرف المحاولة!
السحر هو الحل!
حتى عندما قررت سندريلا التمرد وتغيير قدرها ولو لمرة واحدة كان هذا بمساعدة الساحرة الطيبة التي بدلت كل أمورها فأصبحت وكأنها فتاة أخرى، تبدلت تمامًا ولم يتبقَّ لها من حقيقتها سوى جسدها وهو هبه الخالق وليس من صنعها في شيء، لذلك لا يحسب لها هو الآخر كإنجاز فهو بعيد كل البعد عن الإرادة أو الشخصية أو التغيير أو باقي الأمور المكتسبة التي نتحكم فيها وتحسب لنا ونحاسب عليها، وبذلك تبقى سندريلا في نظري تلك الفتاة البائسة التي لا تستطيع تغيير أي شيء يخصها.
السحر لا يحقق المعجزات
أيضا عندما نحلل تأثير السحر على مسار القصة خصوصًا في إعجاب الأمير بها والزواج منها في النهاية بسبب الحذاء المسحور، وقتها سندرك أن السحر أيضًا لا يحقق المعجزات كما أن جزء الحذاء أرى فيه ثغرة غير مقنعة لي تُؤخذ عليها لا لها ونتج عنها عدة أسئلة مثل:
كيف لباقي الأشياء أن تعود لطبيعتها بعد منتصف الليل إلا الحذاء؟ كيف لا توجد فتاة واحدة في البلدة كلها لها نفس مقاس قدم سندريلا؟
أين الإنجاز في اختيار الأمير؟
تقول القصة بأن الأمير اختار سندريلا دون باقي الفتيات.. ولو نظرنا للأمر سنجد أن السبب يكمن ربما في أنها الأجمل في الحفل أو لأنها لمعت بينهن كالقمر بين النجوم فقرر التعرف عليها..
فأين الإنجاز في ذلك أيضًا؟ فهو اختيار الأمير على أي حال وليس اختيار سندريلا ومبني على التغير في الهيئة الذي كان بمفعول السحر.. فلا هو حقيقة ولا هو بمجهودها..
سندريلا في بيتنا وليست مجرد حكاية!
جاءت الفقرة الأهم والتي هي سبب كتابة هذا المقال، فأنا لا أريد أن أعادي سندريلا أو أنتقدها لمجرد النقد لكن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو وجود الكثير من شبيهات سندريلا – في شخصيتها تحديدًا- بيننا خصوصًا المراهقات اللاتي يرون أن الجمال هو الأهم، أو الاستسلام طيبة، أو السحر سيكون المفتاح، أو أن الأمير الجميل والعريس الثري هو أهم إنجازات الحياة..
فكم مرة تحدثنا مع فتاة تنتظر أمير الأحلام القادم على حصان أبيض لينتشلها من أحزانها وهي لا تعرف نفسها ولا تعي لذاتها أبدا؟ وكم مرة سمعنا عن أخرى تفتخر بعريس رائع اختارها دونًا عن الباقيات ولا تعرف حتى السبب وراء هذا الاختيار؟
بكل تأكيد الزواج هو سنة الحياه، لكن سيتحول لنقمة لو كان مجرد تجربة، أو خطوة دون وعي، أو لو كان اختيارك للشريك معتمد على سيارة فاخرة، أو أمور مادية، أو اختيار الشريك لكِ معتمد على ثياب ثمينة، أو مساحيق تجميل منمقة؛ فبعد الزواج لن تُجدي هذه الأمور المادية نفعًا، فالحب بسبب يزول بزوال هذا السبب..
لماذا تقرر الفتيات الاقتداء بسندريلا حتى لو كان ذلك دون وعي فيصبحن مفعول بهن بدلَا من أن يكنَّ فاعلات؟!
السحر لا يصنع المعجزات، لأنه ليس إلا خدعة أو تزوير سيأتي يوم وينكشف، أما الحقيقة فهي الباقية دائمًا..
وإن كنتِ تحلمين بأن تكوني أميرة فهو حق مشروع.. ولكن كوني أميرة بشخصيتك وروحك الحرة المنطلقة، فأنتِ القوية ذات العقل المثقف الواعي والشغوف بالمعرفة أكثر عن أمور الحياة.. لعلكِ يومًا تكونين الحصن المنيع لمن حولك بدلًا من أن تكوني عبئًا دائمًا على الجميع، أو لعلك يومًا تفتخرين بتربيتك لأولادك ويفخرون بكِ.
كوني أنتِ كما أنتِ ولا تتصنعي، وقتها فقط ستكونين ملاذ الجميع وذات الأثر الباقي حتى وإن لم تتواجدي في هذا المكان أو ذاك..
سيتذكرك أهلك وكل معارفك بالخير والقوة والحق والجمال، وسيظل اسمك يردد بين الجميع بكل خير وطيبة إلى الأبد..
أما الأمير..
الزواج ليس مجرد حفل ننتقي منه الأجمل لنتزوجها، بل الأمر أكبر من ذلك بكثير، فهو استقرار ومودة ورحمة…
أخيرا..
عرفت أن الحياة خصم كالبشر، لا تحب الضعفاء وتحتقرهم بل تصفعهم دائمًا على وجوههم أما الخصوم الأقوياء فهي تكنّ لهم كل الاحترام وتعدّ لهم العُدة.. وكلٌّ مبتلٍ على قدر قوته..
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق