تم افتتاح الدورة الـ 51 لمعرض القاهرة للكتاب يوم 21 من الشهر الجاري، وكإجراء اعتدنا عليه كل عام، يتم اختيار شخصية من كتاب مصر ومثقفيها كشخصية للمعرض يتم الاحتفاء بها.
وكانت شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020 هي الدكتور “جمال حمدان”، صاحب كتاب وموسوعة “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان” ؛ وعليه أعادت الهيئة العامة الكتاب طباعته بأجزائه الأربعة في طبعة شعبية بسعر مخفض هو 140 جنيهًا، كما قامت دار الهلال المصرية بطباعته ضمن طبعة فاخرة بسعر 700 جنيهًا.
شخصية مصر موسوعة الجغرافيا المصرية
وهذا الكتاب هو الأشهر رغم المؤلفات المتعددة له مثل: “اليهود أنثروبولوجيا”، و”استراتيجية الاستعمار والتحرير”، و”الجماهيرية الليبية دراسة في الجغرافيا السياسية”، و”سيناء فى الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا” وغيرها من المؤلفات، ولكنه على الرغم من شهرته تلك الأقل قراءة في مصر وعالمنا العربي، كونه كتاب متخصص في الطبيعة الجغرافية.
من هو جمال حمدان؟
في البداية، ولأنه شخصية المعرض، فيجب أن نذكر أن “جمال حمدان” ولد في قرية “ناي” بالقليوبية 1928، وحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة شبرا عام 1939م، والتحق بالمدرسة “التوفيقية الثانوية”، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وتم تعيينه معيدًا بها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا وحصل هناك على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا.
نرشح لك قراءة:
من هو جمال حمدان شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2020؟
د.جمال حمدان.. فيلسوف الجغرافيا الأول الذي احترق من أجل بلاده!
قدم “جمال حمدان” نحو 29 كتابًا، أشهرها مؤلفه “شخصية مصر” والتي توالت دار الهلال المصرية نشره في طبعته الأولى المكونة من 300 صفحة، والتي تطورت فيما بعد لتصبح أربعة مجلدات ضخمة.
وقد حصل “حمدان” على العديد من الجوائز منها: جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية 1959، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 1986، وجائزة التقدم العلمى بالكويت 1986.
ويعتبر اختيار “حمدان” كشخصية للمعرض في نسخته الـ51 اختيارًا جريئًا؛ بسبب حياته ووفاته التي انتهت بموت غامض، واختفاء لبعض مخطوطات كتبه من شقته، وأشارت الأصابع إلى الموساد وأنه قد يكون اغتيالًا.
شخصية مصر جغرافية مليئة بالحياة
صدر بصياغته الأولى عام 1967م في نحو 300 صفحة من القطع الصغير، ثم تفرغ “حمدان” لإنجاز صياغته النهائية لمدة عشر سنوات، ليصدر مزيدًا ومنقحًا بأربعة مجلدات بين عامي 1981 و1984.
وتكمن أهمية كتاب “شخصية مصر وعبقرية المكان” في الحديث عن مصر جغرافيًا، وسكانيًا، فهو لا يشرح فقط، لكن يحلل وينقد التاريخ والسلوكيات والسياسة على مدار تاريخ مصر، فالجغرافيا كمنطلق لدارسة مصر بهذا الشكل التحليلي المكثف هو أمر مختلف لم نعتد عليه.
فالدراسات التي تتم دائمًا إما تاريخية أو سياسية أو اقتصادية، والكلام عن الجغرافيا دائمًا ما يأتي مليئًا بالمعلومات خاليًا من الحياة، رغم أهمية مكانة مصر جغرافيًا والتي تسببت لها في مشكلات عدة أهمها فترات الاحتلال الطويلة؛ لذلك كان “حمدان” مختلفًا عما سبقه واعتبر المكان عبقريًا، لذلك سمى كتابه عبقرية المكان.
كما أن أسلوب كتابته تميز بالمزج بين العلم والأدب، فيقول في المقدمة: “أن تكون الجغرافيا في الاتجاه السائد بين المدارس المعاصرة هي التباين الأرضي، أي التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات، فمن الطبيعي أن تكون الجغرافيا هي التعرف على شخصيات الأقاليم، وإذا كان الإقليم بهذا التعريف هو قلب الجغرافيا فمن المنطقي أن تكون الشخصية الإقليمية هي قلب الإقليم، ومن ثم بيقين أعلى مراحل الفكر الجغرافي”.
فالجغرافيا ليست العلم الجامد الذي يقف عند التضاريس والطقس والوصف، وإنما هي: “تلك التي إذا عرفتها عرفت كل شيء عن نمط الحياة في هذا المكان أو ذاك، جغرافية الحياة التي إن بدأت من أعلى آفاق الفكر الجغرافي في التاريخ والسياسة فإنها لا تستنكف عن أن تنفذ أو تنزل إلى أدق دقائق حياة الناس العادية في الإقليم”.
وكانت رؤية “جمال حمدان” للعلاقة بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان متوازنة، فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر، ويظهر ذلك واضحا في كتابه المشار إليه آنفًا، والذي تبرز فيه نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة والنيل بصفة خاصة، وكيف أفضت هذه العلاقة إلى صياغة الحضارة المصرية على الوجهين: المادي والروحي.
عرض لفصول كتاب شخصية مصر
يمزج “جمال حمدان” في دراسته بين الجغرافية والتاريخ والسياسة وعلوم طبيعية وإنسانية وتطبيقية أخرى. ويقسم كتاب “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان” إلى أربعة أجزاء، هي: (الجزء الأول: شخصية مصر الطبيعية، الجزء الثاني: شخصية مصر البشرية، الجزء الثالث: شخصية مصر التكاملية، الجزء الرابع: شخصية مصر الحضارية).
ولنذهب معه ونرى كيف قسم الجزء الأول “من الجيولوجيا إلى الجغرافيا”: الفصل الأول: أرض مصر، الفصل الثاني: تاريخ حياة نهر، الثالث: تغيرات النيل التاريخية، الرابع: وجه مصر.
الباب الثاني “الصحراوات”: الفصل الخامس: الصحراء الغربية، السادس: أقاليم الصحراء الغربية، السابع: أقاليم الصحراء الغربية (تابع)، الثامن: الصحراء الشرقية، التاسع: أقاليم الصحراء الشرقية، العاشر: سيناء. الباب الثالث “وادي النيل”: الفصل الحادي عشر: النهر، الثاني عشر: مورفولوجية الوادي، الثالث عشر: الوادي والغيوم، الرابع عشر: الدلتا.
ويقول مثلًا عن النيل: “من المفارقات الصادمة أن وادي النيل في مصر، بكل ما يمثل من ثقل وخطر في حياة الأمة ووجودها، لم يحظ بعد بالدراسة الطبيعية المفصلة والمعمقة والوافية التي تتكافأ مع هذه الأهمية الفائقة، افتح أي كتاب تقليدي في جغرافيا مصر، تجد غالبًا أن ما كتب عن الوادي من الناحية الطبيعية أقل بكثير مما يكتب عادة عن صحارينا، أي من صحارينا على حدة، هذا فضلًا عن أنه أقرب دائمًا إلى العموميات والمعالجة العاجلة”.
ويكمل بقوله: “سقطت جوانب حيوية تهم الجغرافي بصفة أساسية، فأين هي مثلا تضاريس الوادي بوضوح ودقة؟ قد لا تكون هذه التضاريس إلا أدق الملامح، فإنها تعد المفتاح الجوهري لفهم كل الوجود المصري ابتداء من هندسة الري والإنتاج الزراعي حتى كثافة السكان وتوقيع المدن”.
وختامًا، وبناء على ما سبق، نستطيع أن نستشف كيف كان يفكر “جمال حمدان” عند كتابته لكتابة الأشهر “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان”، وكيف كان يتعامل مع الجغرافيا والتضاريس في فهم البشر. فالكتاب له مكانة مهمة مميزة يجب أن يحرص على قراءته كل من يهتم بالشأن المصري عمومًا.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق