منذ الإعلان عن التصميم الفائز في مسابقة بوستر معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020، والذي صممه الفنان محمد أباظة، تعرّض البوستر لموجة من الانتقادات والهجوم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة موقع فيسبوك.
أراجيك حاورت محمد أباظة مصمم البوستر، إذ تحدّث عن إسهاماته في مجال تصميم الأغلفة والأفيشات، وأيضًا عن كواليس ومراحل تصميمه لبوستر معرض الكتاب، ويكشف لنا مدلول الرموز والألوان التي استخدمها فيه، كما يرد على الانتقادات التي وجّهها البعض للبوستر.
منذ البداية: باعٌ طويلٌ في التصميم
في البداية يقول «أباظة» إنه تخرّج من معهد الفنون المسرحية قسم ديكور مسرح عام 1971، وتعيّن عام 1973 في قصر ثقافة الريحاني التابع لوزارة الثقافة المصرية، واستمرت مسيرته الوظيفية بقصور الثقافة حتى جاءت فترة التسعينيات، التي بدأ خلالها تصميم المطبوعات التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكذلك الإشراف الفني على البوسترات الخاصة بمعارض الهيئة والمهرجانات التابعة لها، مثل مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية ومهرجانات الطفل، ثم حصل على منحة تدريبية من وزارة الثقافة، وسافر إلى أمريكا للتدريب على تطوير الأنشطة الثقافية.
أضاف أنه صمم البوستر الخاص بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته العاشرة، ولمدة ست دورات متتالية، وشمل تصميمه للمهرجان المطبوعات الخاصة به كاملة خلال تلك الدورات، ثم صمم بوستر وأفيشات مهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل لأكثر من دورة، موضحًا أنه له نشاطه أيضًا في الفن التشكيلي، من خلال الرسومات الخاصة به التي يعرضها في عدد من المعارض، وكذلك في الجاليري الخاص به.
في سياق متصل، يؤكد الفنان محمد أباظة أنه مرتبط دومًا بالروح الشعبية في رسوماته وتصاميمه، وهو حاليًا المشرف الفني لمجلة الفنون الشعبية التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب بالاشتراك مع جمعية المأثورات الشعبية، إذ يُشرف على تصميم أغلفة المجلة وكذلك التصميم الفني لصفحاتها، موضحًا أنه رسم خمسة أغلفة للمجلة في أعدادها الأخيرة، كما أنه صمم الأفيش الخاص بالهيئة العامة للكتاب في اليوم العالمي للكتاب.
فكرة تصميم بوستر معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020
وبالنسبة لتصميمه بوستر معرض القاهرة للكتاب 2020، يقول «أباظة» إنه لم يكن متحمسًا من قبل للاشتراك في أية مسابقات فنية، مشيرًا إلى أنه عندما قرأ الإعلان الخاص بالمسابقة، قرر الاشتراك فيها ولم يكن متوقِعًا أن يفوز، موضحًا أنه في البداية رسم عدة اسكتشات مبدئية للبوستر، راعى فيها ألا يكون التصميم مباشرًا، مستطردًا أنه في رسوماته التشكيلية وتصاميمه بوجه عام يرفض أن تكون الرسالة مباشرة؛ كأن يكون تصميم معرض الكتاب عبارة عن رسم لكتاب مفتوح أو الهرم أو شخصيات فرعونية كـ رمز لمصر، أو رسم قارة أفريقيا كـ رمز لشعار المعرض، مثلما جاء في تصاميم بعض المتقدمين للمسابقة.
أردف أنه في النهاية استقر على تصميمين لبوستر المعرض، أحدهما التصميم الفائز، والآخر كان عبارة عن كتاب مفتوح؛ صفحته الأولى بها رسومات فرعونية والصفحة الأخرى تعبر عن الروح الأفريقية، لافتًا إلى أنه استبعد تصميم الكتاب المفتوح، واستقر في النهاية على التصميم الثاني؛ الذي استوحاه من النخيل؛ وهو العنصر الذي يحبه ويرسمه في الكثير من أعماله.
كواليس تصميم بوستر معرض الكتاب 2020
وعن كواليس تصميم البوستر الفائز، قال «أباظة» إنه فكّر في استبدال سعف النخيل بالكتب المفتوحة، إشارة إلى أن القراءة تحتاج إلى رعاية واهتمام خاص كالنخيل، مستطردًا أنه عندما بدأ يرسم النخيل وضع في ذهنه صورة النخيل المصري؛ ولكنه جرّده من التعريجات الموجودة في جذوعه ورسَمها ملساء، مشيرًا إلى أنه لم يقصد بأن يشبه هذا النخيل شجر البامبو الموجود في أفريقيا مثلما ردد البعض، ولكنه عندما انتهى من التصميم وَجده يشبهه بالفعل، حيث بدا مفعمًا بالروح الأفريقية من حيث طول جذوع النخيل وتمايلها؛ مثل الأجسام الأفريقية الطويلة التي تتمايل عندما ترقص، لافتًا إلى أن شكل الجذوع أخذ أيضًا ليونة النباتات الأفريقية البرية، وهذا ما عبّر به عن شعار المعرض 2020: «مصر أفريقيا.. ثقافة التنوع».
وبالنسبة للألوان التي استخدمها في التصميم، يوضح محمد أباظة أن الفنان التشكيلي الذي يستلهم الروح الشعبية لا يكون منطقيًا في رسوماته، ومن هنا اختار «أباظة» تلوين جذوع النخيل باللونين الأحمر والأزرق وهي ألوان شعبية مصرية، أما الخط المكتوب به اسم المعرض وشعاره على البوستر، يقول إنه رسَمه يدويًا، واستوحاه من الخط الموجود على العمائر والبنايات الإسلامية التراثية، مؤكدًا أنه قصد أن يرسم الخط بيده، وألا يستعين بالخطوط الجاهزة على الكمبيوتر التي لا حياة فيها ولا روح، مستطردًا أن الرسم اليدوي أصعب بكثير من الخطوط التكنولوجية الجاهزة.
يُكمِل أنه قصَد رسم الكتب على النخيل مفتوحة بخطوط متعرجة وأن تهتز يداه وهو يرسمها؛ حتى لا يبدو متصنعًا ولكن ليعبّر عن سلوك الإنسان الطبيعي؛ الذي ترتعش يداه بالفعل أثناء رسمه على الورق، مستطردًا أن كل ما احتواه البوستر من رسومات هي من رسم يديه وليس باستخدام التقنيات أو تعديلات الكمبيوتر، ما عدا صورة شخصية المعرض للعالم جمال حمدان، وصورة علم السنغال ضيف شرف المعرض 2020، موضحًا أنه استعان بهما من الإنترنت ولم يرسمهما.
أردف محمد أباظة أن تصميم البوستر والانتهاء منه استغرق ما يقارب الشهر، لافتًا إلى أنه خلال حضوره لمؤتمر الهيئة العامة للكتاب الإثنين الماضي للإعلان عن البوستر الفائز، فوجىء تمامًا بأن تصميمه هو الذي وقع عليه اختيار لجنة المسابقة، مؤكدًا سعادته بفوز التصميم من بين أكثر من 600 تصميم قُدّم للمسابقة.
انتقادات البوستر الفائز
وفيما يتعلق بالانتقادات التي وُجهت للبوستر، أشار محمد أباظة إلى أنه تابع تلك الانتقادات وردود الأفعال المختلفة حول التصميم، مشيرًا إلى أن من اتهموه باقتباس التصميم من غلاف لمجلة الفنون الشعبية، يجهلون حقيقة أنه هو مصمم نفس الغلاف، لافتًا إلى أنه استوحى بوستر المعرض من فكرة غلاف المجلة في عددها المئوي الذي احتوى على النخيل أيضًا. وردًا على الانتقاد بأنه استوحى النخيل في بوستر المعرض من نفس فكرة غلاف المجلة بدون تجديد، يقول «أباظة» إنه استبدل سعف النخيل بالكتب ليتناسب مع فكرة المهرجان، متسائلًا: «أليس هذا تجديدًا؟»
في نفس السياق، استكمل أنه تابع الهجوم عليه من بعض أصحاب التصاميم المقدمة للمسابقة، موضحًا أنه شاهد التصاميم الخاصة بهم والتي وضعوها في التعليقات عبر بعض منصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن تلك التصاميم قدمت رموزًا مباشرة لفكرة المعرض، مثل الهرم وخريطة أفريقيا والكتاب المفتوح والشخصيات الفرعونية؛ لافتًا إلى أنه كان يفعل مثلهم في بداية تصميمه للأغلفة قبل سنوات، ولكنه أدرك بعد ذلك بفترة عندما نضج فنيًا؛ أنه لا يجب أن ترتبط التصاميم بالرموز الجغرافية ولا التقليدية المباشرة، وإنما من الأفضل أن تنطوي على رسائل غير مباشرة تثير شغف وانتباه المتلقي للتفكير فيها، لافتًا إلى أن مبادئ التصميم الحديث لا تحبذ إضافة كل العناصر وإنما يُكتفي برسم رموز لها.
وردًا على الانتقاد الذي وُجّه للبوستر بأن رسالته غير مفهومة لأول وهلة للرائي، قال «أباظة» إن الفن يجب ألا يقدم رسائل مباشرة وإلا تحول إلى ما يشبه المقال أو خطبة الجمعة، مفسّرًا رأيه بأنه يخاطب من خلال البوستر الطبقة المثقفة؛ التي تحرص على القراءة والذهاب إلى معرض الكتاب، ولا يخاطب رجل الشارع العادي، مؤكدًا أن الفنان التشكيلي ليس من واجباته شرح مغزى رسوماته للناس، فهو يرى أن الشخص عليه أن يبذل مجهودًا في اكتشاف معنى التصميم بنفسه، ودور الفنان أن يقدم الرموز فقط، ويترك للمتلقي التفكير في باقي المعاني، والبحث عن العناصر الأخرى للتصميم أو اللوحة.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق