فرصة لنفهم: هل الاغتيال السياسي في الإسلام سياسي أم عقائدي؟!


موضوع Political assassination in Islam

جاء كتاب “الاغتيال السياسي في الإسلام” للمفكر العراقي “هادي العلوي”، والذي نشره في التسعينات، مع تلك المحاولة المستميتة للتأصيل الشرعي لاغتيال المختلفين فكريًا؛ ليشتبك مع تلك الظاهرة في أوجها ويحاول أن يفند علاقتها بالإسلام تاريخيًا.

نرشح لك قراءة: أبرز جرائم الاغتيالات السياسية التي طالت شخصيات عربية

الاغتيال السياسي في الإسلام

الاغتيال السياسي في الإسلام
كتاب “الاغتيال السياسي في الإسلام” للمفكر العراقي “هادي العلوي

تحمل كلمة الاغتيال مدلولًا مرعبًا، ليس على المستوى اللفظي، أو التاريخي للكلمة فقط، وإنما أيضًا في داخل نغمة نطقها الموسيقى أيضًا. وفي ذاكرتنا العربية القريبة تعد مرتبطة أكثر ما ترتبط بالقتل العمد لعدد من المفكرين التحرريين، الذين حاولوا تقديم نقد حداثي للدين كفرج فودة، أو محاولات اغتيال فاشلة لبعض الأدباء، كالمحاولة التي نجا منها نجيب محفوظ، أو حتى على المستوى السياسي مثل ما حدث مع الرئيس المصري السادات في ذكرى حرب أكتوبر عام 1981.

بالطبع لا يقتصر الاغتيال كتكنيك انتقامي على منطقتنا العربية فقط، فهو ظاهرة عالمية تستخدمها معظم الجماعات والكيانات السياسية لتحقيق أهداف عدة من إسكات الأشخاص المعارضين لرؤاها. ويمكن ملاحظة أن أغلب محاولات الاغتيالات التي حدثت في الفترة السابقة في منطقتنا العربية كانت على أيدي عدد من المنتمين إلى الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفًا وعنفًا، مع محاولة استدعاء التراث الفقهي والحديثي لاستخراج تأصيل شرعي لقتل المختلفين فكريًا، وإغلاق ساحة الحوار تمامًا.

لا يشكل الاغتيال ظاهرة قتل مجردة فقط، فهو ليس مصادرة من القاتل على حياة المقتول فقط، بل هو مصادرة كاملة على حيوات الناس المشابهين له، لأنه انتقام جذري من الأفكار والأفعال التي أدت إليه. مما يقود المجتمع ككل إلى نبرات متناحرة وعنف مكتوم لا يتقبل الآخر ولا يؤمن بوجوده في المطلق.

هادي العلوي: التحليق خارج السرب

هادي العلوي
هادي العلوي مؤلف كتاب الاغتيال السياسي في الإسلام

يعد المفكر والكاتب العراقي هادي العلوي واحدًا من الكتاب القلائل الذين ألفوا إنتاجًا غزيرًا في شتى حقول المعرفة، وخاصة نقد التراث الإسلامي، مستخدمًا في ذلك منهجه المادي الماركسي، وأطروحاته التي تخلف أسئلة مرهقة أكثر ما تعطي أجوبة جاهزة. كان العلوي مهمومًا جدًا بأوضاع بلده العراق، ومعاديًا جدًا للأصوليين، وكذلك العلمانيين المتغربنين. كان طائرًا يحلق وحده في سمائه الخاصة.

ولد الهادي العلوي في العام 1933م، لأسرة ميسورة الحال، وأنهى دراسته بكلية التجارة والاقتصاد، ثم انخرط في نضال سياسي وفكري، لكنه فر من العراق بعدما كان مطلوبًا على يد حكومة البعثيين، وقدرت له الظروف أن يعمل مدرسًا للغة العربية في الصين، لتشكل تلك اللحظة نقطة هامة ومفصلية في حياته الفكرية والعملية.

تنقل العلوي بين عواصم ومدن كثيرة، حتى استقر به الحال في دمشق التي مات فيها، بعد حياة مليئة بالكتابة والمثابرة الفكرية الصادمة للعقل العربي، بمؤلفات مثل: “شخصيات غير قلقة في الإسلام“، “من تاريخ التعذيب في الإسلام”، “فصول عن المرأة“، وغيرها.

يقول هادي العلوي عن نفسه:

أكتب، لأقلل حصتي من لعنات الأجيال القادمة، فكلنا مقصرون بحق العراق وشعبه ولن ترحمنا الأجيال القادمة“.

في كتابه “الاغتيال السياسي في الإسلام” يقدم لنا “هادي العلوي” ما يشبه البانوراما التاريخية لحوادث الاغتيال الأساسية في التاريخ الإسلامي، معتمدًا في ذلك على عدد مهول من المصادر المتنوعة، بين المصادر السنية والشيعية وكتب الخوارج وغيرها، وعلى امتداد الرقعة الإسلامية كلها من تركيا إلى الأندلس. لا يفرض علينا “هادي العلوي” في كتابه رأيًا محددًا، بل يقدم لنا نظرة توفيقية بين الروايات المختلفة، وطرحًا محايدًا للقصص التي بين يديه، من خلال الفصول الإسلامية الرئيسية: العصر النبوي، عصر الراشدين، العصر الأموي، والعصر العباسي.

يقول هادي العلوي عن نفسه موضحًا منهجه:

لا يمكنك إدراجي بينهم… فأنا لست علمانيًا ولا أصوليًا. ولي منهجي الذي يبعدني عن الفريقين. كما بينتُ أني أفرِّق بين الدين والحضارة الإسلامية”

الاغتيال السياسي في عهد النبوة والراشدين

حدثت في العهد النبوي 8 محاولات اغتيال، نجحت منها سبعة وفشلت واحدة. لكن الملاحظ في اغتيالات عهد النبوة أنها كانت بالأساس موجهة ضد زعماء اليهود في وقت الحرب والشحذ المتبادل بين المسلمين في المدينة وكفار قريش في مكة. ولعل أبرز تلك الاغتيالات هي ما حدث مع كعب الأشراف وسلام بن أبي الحقيق.

يشتبك “هادي العلوي” مع التأصيل الشرعي لحكم الاغتيال الذي يحاول المتشددون اجتراره عنوة هذه الأيام. فالنبي (ص) لم يشرع الاغتيال في مكة أبدًا بسبب طبيعة الدعوة المستضعفة في تلك الحقبة، ولم يمارس الاغتيال في المدينة سوى في فترات الحرب، وخصيصًا ما قبل الخندق، أي قبل أن تصبح المدينة ما يشبه الدولة المتكاملة ومركز الجزيرة العربية. حتى في تكنيك الاغتيالات، فهي لم توجه إلا إلى زعماء الحرب المناوئين للمسلمين، وبطريقة حرب العصابات الخاطفة، لتقويض قوة أولئك الزعماء وتفتيت مساعيهم من بعدهم. وبالطبع لم يوجه الاغتيال ناحية شخص سب النبي (ص) أو اختلف معه اختلافًا شخصيًا، فالاغتيال لم يكن تنفيذًا لحكم بالإعدام أو مناورة شخصية من النبي أبدًا، بل كان مرهونًا بسياقه التاريخي داخل حالة الحرب الدائرة، قبل أن تستتب الدولة للنبي (ص).

أما في العهد الراشدي فيرصد “هادي العلوي” أربعة اغتيالات رئيسية، لعل أبرزها هي اغتيال الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب. في عصر الراشدين لم تلجأ الدولة بنفسها على اغتيال الأشخاص المخالفين لها، ولم يلجأ الأفراد إلى ذلك أيضًا، ويمكن إرجاع ذلك إلى حالة من وعي الدولة بشخصيتها، وإلى تحول الصراع المباشر إلى خارج حدودها مع أعدائها من الفرس والروم.

لكن اغتيال الخليفتين يشير إلى ظهور طريقة جديدة عبرت بها المعارضة عن نفسها، سواء المعارضة الخارجية في حالة “عمر”، أو الداخلية في حالة “علي”. وإن لم يكن ممكنًا نزع الإسلام -كما يشير العلوي- عن سياق العرب التاريخي من التناحر الطويل والعنف الداخلي، فإن اغتيال الخليفة الثاني “عمر بن الخطاب” يثير عدة تساؤلات عن إمكانية المؤامرة في داخل صفوف قريش، أم أن “أبو لؤلؤة المجوسي” قتله من نفسه كردة فعل انتقامية على سقوط الإمبراطورية الفارسية.

أما اغتيال الإمام “علي بن أبي طالب” فقد حدث بمخطط مغامر من الخوارج، عندما اتفقوا على قتله هو و”معاوية بن أبي سفيان” و”عمرو بن العاص” ظنًا منهم أن ذلك سيريح الأمة من الحرب الطاحنة بينهم. لكن محاولات اغتيال الثلاثة لم ينجح منه سوى اغتيال الإمام علي، والذي كان مفصليًا في الفتنة الكبرى لصالح معاوية بن أبي سفيان والأمويين، لكنه كان مؤذنًا أيضًا بظهور حالة فدائية لدى الخوارج واعتناقهم الاغتيالات بشكل واسع في العصر الأموي.

بعض من مؤلفات هادي العلوي - الاغتيال السياسي
بعض من مؤلفات هادي العلوي

الاغتيال السياسي في العهدين الأموي والعباسي

يشكل العصرين الأموي والعباسي تغيرًا نوعيًا كبيرًا في استخدام تكنيك الاغتيال سواءً على مستوى السلطة نفسها أو حتى على مستوى المعارضة.

مع توسع رقعة الدولة، وسيطرة الأسرة الواحدة على نظام الحكم، ازدادت حالات الاغتيال في صفوف المعارضين للسلطة، أو كل من يشكل خطرًا عليها، سواء من خارجها كما في حالة “الحسن بن علي”، أو حتى من داخلها كما في حالة “عمر بن عبد العزيز” الخليفة الأموي. كان متوقعًا أن تلجأ السلطة إلى تصفية المعارضين لها، خصوصًا مع تشكل وعي جديد لدى السلطة بنفسها وبشكلها، وبأنها مختلفة تمامًا عن سلطة العصر الراشدي، سواء في طريقة وصولها للحكم، أو حتى في طريقة تداولها له. ولعله من الملحوظ أن تكنيك الاغتيالات في هذين العصرين كان معتمدًا بشكل شبه أساسي على السم، مما يوفره ذاك السلاح من سهولة القتل والتعتيم على القاتل بطريقة لا تورط السلطة بشكل مباشر.

أما من جانب المعارضة، فقد شاع اسخدامهم للاغتيال ضد أذرع السلطة من الجلادين والسجانين، لكنها لم توجه بشكل مباشر إلى الخليفة، والسبب في ذلك هو وعي المعارضة أيضًا بحقيقة نظام الخلافة الجديد، وأنه ليس مستقرًا في شخص الخليفة، وإنما في أسرته. نشطت في العهد الأموي حركة الخوارج بشكل ملحوظ، لكنها ما لبثت أن خمدت وسلمت المعارضة إلى طافة الإسماعيلية، المعروفين بـ “الحشاشين”، والذين كان لهم دور بارز في قلقة الخلافة العباسية في عدة مناطق، ومواجهة الصلبيين أيضًا بشكل فدائي ومستميت.

نرشح لك قراءة: عشرة اغتيالات مريعة نفذتها مجموعة الحشاشين التاريخية

يختم “هادي العلوي” كتابه بملحقين صغيرين، الأول عن الوفيات المشبوهة، ولعل أبرزها كان وفاة الإمام “أبو حنيفة النعمان”، ووفاة “المأمون” الخليفة العباسي. أما الملحق الثاني فكان عن الاحتياطات التي يتخذها الملوك والأمراء ضد السم. ليتركنا “هادي العلوي” بسؤال يلوح في الأفق عن احتياجنا لإعادة النظر في كل شيء.

فرصة لنفهم: هل الاغتيال السياسي في الإسلام سياسي أم عقائدي؟! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي

مجانا  .
المطور : أراجيك.   النوع : مجهول .
+3

 !  يتوافق هذا الموضوع مع جميع أجهزة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تطبيقات مشابهة قد تعجبك :

المشاركات الشائعة