النقد الفني مفهوم واسع النطاق جدًا، والآليات المُتبعة فيه تختلف من فنٍ لآخر. لكن كلها تتفق في بعض المعايير الأكاديمية والإنسانية الثابتة، التي لا يجب الإخلال بها على الإطلاق. ولكون النقد الفني مفهومًا يشغل بال الكثيرين في الفترة الأخيرة (خصوصًا مع غزارة إنتاج أعمال فنية كل عام عن الذي قبله)، قررنا في أراجيك فن عمل مقال جديد ومختلف.
اليوم في أراجيك فن سوف نتحدث عن النقد الفني، أي أننا سنُعلمك كيف تُحلل الفيلم والمسلسل، كيف تُحلل الرواية، وفي المنتصف يمكنك أخذ الأسلوب الذي سنُعلمه لك، وتُطبقه على أي فن آخر مثل الغناء، الرقص… إلخ. والآن كفانا حديثًا جانبيًّا، وهيا ندخل في صلب الموضوع مباشرة!
أمور لا يختلف بشأنها اثنان في النقد الفني
1) الموضوعية في النقد الفني
هذا أول شيء لا يجب أن يختلف عليه اثنان في النقد الفني على وجه العموم. سأبسط لك الأمر يا عزيزي.
قبل كتابة مقال نقدي أو تحليلي لأي عمل فني، بالتأكيد أنت ترتدي ملابسك التي ترتديها يوميًّا في أي مكان. سواء كنت وحدك، أو مع آخرين. تلك الملابس هي الأيدولوجية الخاصة بك، طريقة التفكير. تلك الطريقة التي تنطوي على المُعتقد والأخلاق والخبرات الحياتية، وكل شيء يُميز شخصيتك عن غيرك.
عند بدء كتابة مقال، انزع عنك تلك الملابس كلها. انزع عنك العقيدة والأخلاق وأي شيء يُمكن أن يؤثر على حكمك الفني تجاه العمل الذي أنت بصدد تقييمه. التقييم يكون فنيًّا بحتًا، بمنظور فني، لا بمنظور شخصي. المنظور الشخصي يُشوه العمل الفني الذي يمكن أن يكون رائعًا فعلًا، لكن كرهك مثلًا لمشاهد التعري، قد يُقنع القارئ أن الفيلم سيئ، فقط عبر إيهامك له بأنه سيئ، من خلال كرهك الذاتي للتعري، دون أن تعرف أهمية ذلك التعري في العمل الفني.
2) عدم التعديل على العمل الفني
في صناعة مراجعة لفيلم أو رواية، لا يجب أن تذكر تعديلك على العمل الفني. على سبيل المثال، أنت بصدد عمل نقد عمل لفيلم من إنتاج عام 2009. وبدأت تتحدث عن الإخراج بالفعل. هنا إذا وجدت الإخراج غير جيد، فقط أظهر مواطن الضعف وتحدث عنها. ولا تُعدل على المُخرج وتقول أن تلك الزاوية كانت لتكون أفضل إذا كانت بالشكل الفلاني، أو تم وضع وجه المُمثل بتلك الطريقة المُعينة مع عمل Zoom-in عليه أثناء وجود موسيقى تصويرية حزينة بالخلفية.
الأمور لا تعمل هكذا، المراجعات لا تُكتب أو تُعد هكذا. هذا التعديل يندرج أسفل النزعة الفنية الشخصية، ونحن لا نفعل ذلك. نحن نُقيم العمل الفني كما هو عليه، ولا نطرح عليه أي تعديلات تُحسن من هيئته. النقد يكون للحالة النهائية دون أي تحريف أو تعديل فيها، ضع تلك النقطة في ذهنك جيدًا عزيزي القارئ.
عناصر النقد الفني العامة
1) القصة والشخصيات
أي عمل فني بالتأكيد له قصة. السينما، المسرح، الأدب، وحتى الرسم له قصة. القصة تكون السرد المرئي أو المسموع للأحداث، وفيه تذهب مع الكاتب من بداية لنهاية، مرورًا بالوسط. البداية تكون خفيفة وبسيطة، والنهاية تكون دقيقة وموزونة، بينما الوسط هو المرحلة الانتقالية بين كليهما. وعند البدء في النقد الفني لقصة ما، يجب أن تتخذ الحذر قليلًا.
في القصة، أنت تحكم على معيار الجذب في المقام الأول. إذا كانت القصة مترابطة الأركان، سوف تجذبك من البداية للنهاية. وإذا كان بها خلل أو شعرت بالملل فجأة، إذًا هنا يوجد خطأ، وهنا يبدأ التحليل. أي خلل في الوسط والنهاية على وجه الخصوص يكون هو القاتل بالنسبة للعمل الفني.
على سبيل المثال اعتمد الكاتب على شخصيات سطحية ولم يجعل لها عناصر البناء الأساسية مثل (الماضي)، والماضي بدوره يؤثر على الحاضر والمستقبل، ويجعلنا ندرس ونفهم الشخصيات أكثر. لكن فجأة أتى بأحداث ليس من المتوقع حدوثها من الأساس، وأنها لا تتوافق مع التركيبة النفسية للشخصيات. مما أدى في النهاية إلى ذهاب القصة في مسار غريب دمر تمامًا الهدف الرئيسي من العمل الفني. نحن نحكم على القصة بتلك المعايير، ولا نحكم عليها بمعيار إذا كانت الشخصيات مكروهة أو محبوبة من قبلنا، بل نحكم بمعاير البناء والتصاعد الدرامي.
أفلام قلبت الموازين.. أفلام ذات ميزانيات صغيرة وحققت إيرادات هائلة
2) العوامل البصرية
العوامل البصرية في النقد الفني تكون أي شيء يُضيف جوًّا جديدًا للقصة، بصريًّا. مثلًا أنت قرأت رواية (الحديقة الجوارسية) قديمًا، وأعجبتك. لكن بعد مرور سنين وسنين، قرر أحد المُنتجين تحويلها إلى فيلم سينمائي. وبالفعل أتى بالمخرج والمُلحن وطاقم التمثيل وكاتب السيناريو، وفجأة أصبح لدينا فيلم يحمل نفس عنوان الرواية، ومعروض في دور السينما العالمية!
هنا أنت ستترك معايير السرد واللغة التي اعتمدتها في تحليل الرواية، وستتجه إلى المعايير البصرية. هنا أنت ستُقيم الإخراج، التمثيل، الديكور، الإضاءة، الظلال، المؤثرات البصرية والجرافيك، التركيبة الفنية الكاملة على الشاشة… إلخ. كل تلك العناصر هي التي تدب الحياة في القصة على الصعيد البصري، وبفضلها تأخذ عينك صورة مختلفة تمامًا عن الرواية الأدبية التي قرأتها ماضيًا.
وهنا نحن لا نتحدث أبدًا عن الموسيقى، إنها من العوامل السمعية.
3) العوامل السمعية
قلنا أن العوامل البصرية هي عوامل تغيير شامل، لتُعطي هيئة جديدة للنص النثري. لكن هنا العوامل السمعية تكون عوامل تكميلية، وليست خالقة أو مُغيرة تمامًا. بهدوء يا رفاق، النقد الفني ليس سهلًا، وليس صعبًا، لكن دعونا نأخذ الموضوع ببساطة حتى النهاية.
أنت الآن بصدد تقييم فيلم رعب، وفي أحد المشاهد يذهب البطل إلى قبو منزله، ليسير بهدوء بين مجموعة صناديق مفتوحة، وألعاب صغيرة مكسورة ومنثورة في كل مكان. الرعب لم يأتِ بعد، ليس الآن. هذا المشهد هو المشهد التمهيدي للمشهد المنشود. في هذا المشهد قدم الفيلم موسيقى تصويرية تثير بداخلك التوجس والقشعريرة، هنا الفيلم نجح في تمهيدك للحدث المطلوب.
وعلى الصعيد الآخر، يوجد فيلم آخر، به مشهد مماثل، لكن الموسيقى التي صدحت في المشهد التمهيدي، كانت موسيقى تصويرية عابثة ولا تتناسب مع المشهد أو الحالة النفسية أبدًا. هنا الموسيقى فشلت في تدعيم الحالة الخاصة بالمشهد.
والعوامل السمعية ليس بالضرورة أن تكون موسيقى تصويرية فحسب، يمكن أيضًا أن تكون أي مؤثر صوتي يظهر بالعمل الفني كله. صوت فرقعة قنبلة، صوت رنّة مسمار معدني على الأرض، أو حتى صوت موت لمحرك السيارة في موقف حرج. تلك الأصوات، بدرجاتها الصوتية المختلفة، قادرة على تدعيم المشاهد بدرجة كبيرة، وبثّ حالة نفسية مُضاعفة في المتفرج أو المستمع.
4) التفاصيل المميزة
التفاصيل المميزة هي الأشياء غير المتوقعة في النقد الفني بالمُجمل. ببساطة أقصد هنا أي شيء تراه جديدًا بداخل عناصر الإخراج والموسيقى والقصة والرسم والتحريك وكل تلك العوامل التي تصنع العمل الفني. مثلًا استعان فيلم رعب مُعين بدمية (جيج سو) وأظهرها في أحد المشاهد دون أن تقوم بشيء، فقط كرُكن تكميلي في ديكور المشهد. هنا هذه تفصيلة غريبة وغير متوقعة، مما يفتح باب التوقعات لربط الفيلم بعالم (جيج سو) بشكلٍ أو بآخر.
أيضًا جلب وجوه عامة معروفة في الأفلام ليكونوا ضيوف شرف، هذا شيء يرفع بشدة من قدر العمل الفني، حيث أن الأعمال الفنية تعتمد على أبطال وممثلين معروفين. وعند جلب وجوه غير فنية (عامة) إلى الساحة الفنية، هذا يجعل من الأمر مختلفًا وجديرًا بلفت الانتباه فعلًا. وهذا ما فعلوه في لعبة Cyberpunk 2077 الجديدة، حيث استعانوا بالمُمثل (كيانو ريفز) ليقوم بالأداء الصوتي لإحدى شخصيات اللعبة، مع تجسيد هيئته في اللعبة ذاتها أيضًا، مما رفع من شأن اللعبة جدًا.
وفي الختام
اليوم تحدثنا عن عناصر النقد الفني الأكاديمية لأي عمل فني من أي نوع. كان مقالًا دسمًا بعض الشيء، لذلك أتمنى أن يكون قد أفادكم، وأحب أن أسمع رأيكم في التعليقات. أراكم على خير في مقالات أخرى على أراجيك فن!
أفلام ألمانية مصنوعة لتخطف قلبك وتسحر عقلك: نقدمها لك اليوم!
النقد الفني: دليل مختصر لتحليل أي عمل فني أكاديميًّا بسهولة بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
مجانا .+3
! يتوافق هذا الموضوع مع جميع أجهزة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق