منذ أن صدر الموسم الأول من مسلسل DARK على شبكة نيتفليكس الشهيرة في 2017، وقام بعمل صدى عالمي غير متوقع على الإطلاق. فمن المعروف أن الأعمال التي تأخذ مكانها تحت الأضواء هي الأعمال أمريكية النزعة واللغة، لكن أن تتحدث عن عمل ألمانيّ؟ هنا يجب أن تقف وتتمعن قليلًا.
المُشاهدون يتفاعلون مع الشخصيات عن طريق اللغة وحركة الشفاه، لذلك الألمانية تُعتبر عائقًا أمام تحقيق ذلك. وبالرغم من ذلك العائق الراسخ، إلا أن المسلسل انتشر كالنار في الهشيم في أول أسبوع من عرضه وصار الأول على تريند المنصّة. وهذه الأيام في 2019 صدر الموسم الجديد منه، وأيضًا صار الأول على التريند بسهولة.
لذلك اليوم في أراجيك فن سوف نتحدث عن الموسم الجديد من مسلسل DARK المميز، وكيف له أن جعل الأحداث تزداد اشتعالًا فوق اشتعال!
أقرأ أيضًا: ردود فعل إيجابية حول فيلم Avengers: Endgame!
*المراجعة خالية من الحرق*
قصة مسلسل DARK
لا أعلم ماذا أقول في الواقع، هذا المسلسل عبارة عن متاهة ضخمة، أو أحجية قطعها متناثرة في كل أرجاء الزمان والمكان، وحينما تكتشف قطعة واحدة منها، تجد أن أمامك ملايين القطع التي لم تُكتشف بعد. أخشى أن أطرح منظوري للقصة، لكن مع ذلك أحرق تفاصيلًا لا ينبغي أن تُقال، لكن سأقولها على كل حال، محاولًا عدم التعمق في القصة بدرجة كبيرة، ومحاولًا عدم حرق تفاصيل الجزء الأول حتى.
في يوم من الأيام يختفي طفلان فجأة في إحدى المُدن الألمانية، وتدور الأحداث لنجد أنفسنا أمام مجموعة أبطال رئيسيين، كل واحد منهم مرّ بفاجعة كبيرة في حياته، وتلك الفجائع ترتبط بالماضي بشكلٍ كبير. ومع الوقت، نجد أن عائلات تلك الشخصيات مرتبطة ببعضها البعض أكثر من اللازم، ارتباطًا تخطى حدود الزمان والمكان، لندخل معهم في مغامرة زمنية من أبرع ما يكون.
انتهى الجزء الأول من مسلسل DARK مع خاتمة مُعينة تُعتبر Cliff-hanger أو خاتمة تجعل الباب على الحافة بين انتهاء القصة فعليًّا، أو كون نهايتها مفتوحة تتخيلها أنت. ولذلك أتى الجزء الجديد ليضع النقاط على الحروف، ويُبرهن أن القصة لم تنتهِ بعد. ما نهاية تلك المعضلة الزمنية يا تُرى؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه أثناء المشاهدة.
ما المميز في الجزء الجديد من مسلسل DARK ؟
1- أغنية البداية
في الواقع، ربما قد تتعجبون من هذا الكلام، لكن أغنية بداية مسلسل DARK هي شيء مميز فعلًا. وذلك التميّز لا يرجع للكلمات أو الموسيقى أو المشاهد، لا. التميّز يرجع لآلية تقديم تلك المشاهد أثناء البداية نفسها. إذا أمعنت النظر قليلًا في طريقة وضع المشاهد بشكلٍ متداخل هكذا، ستجد أنها مأخوذة من الاختبار النفسي-السلوكي الذي كان يقوم به العالم السويسري (هرمان رورشاخ)، ويُعرف بعد ذلك باسم (اختبار روشاخ). وهو عبارة عن بقع حبرية متماثلة الجانبين، والخاضع للاختبار يراها بالطريقة التي يجدها مناسبة، وكل احتمالية لها تفسير علمي يُظهر بواطن نفسه.
ومن وجهة نظري، أرى أنها دِلالة على أن شخصيات هذا العمل الفني تُظهر عكس ما تُبطن، ويجب أن تُخضعها لهذا الاختبار كي تعرف ما بداخلها فعلًا.
2- التنقّل السريع بين الأزمان
المسلسل يعتمد على السفر عبر الزمن، وخلال هذا السفر تتقاطع مصائر العائلات الأربعة سويًّا في شبكة مهولة يمكن تمثيلها بكرة خيط كبيرة. كلما زاد حجم الكرة، زاد التشابك بين خيوطها الداخلية. لكن هذا التشابك عائق كبير أمام المُخرج كي يُظهره بطريقة مقبولة للمُشاهد، لكن استطاع تخطي تلك العقبة بنجاح. كيف؟ ببساطة قدم لنا نقلات كاميرا سريعة.
الشخصية (أ) تقف الآن في في الخط الزمني من الخلف، أي في المرحلة الأولى من سلسلة الدمار تلك. وفجأة تجد المشهد انقطع لتجد نفسك مع نفس الشخصية بتعابير وجه مختلفة وعمر مختلف في المرحلة الثانية من الخط الزمني، وكذلك نفس الأمر مع المرحلة الثالثة. كل شخصية رئيسية في الأحداث تخضع لهذا التنقل السريع، مما يجعل الأحداث غير مملة على الإطلاق، ويدفعك لمعرفة الذي سيحدث تاليًا بأي ثمن!
3- الكشف البطيء جدًا لأوراق اللعب
هذا المسلسل أحجية كبيرة، ولها قطع لا تُحصى. وعمد الكاتب إلى وضع تلك القطع في أماكنها المُحددة ببطء شديد جدًا. هذا من وجهة نظري يدفع المُشاهد للملل. هيّا اظهر لي ما الخطوة التالية سريعًا، أنا أشاهد كي أستمتع، لا كي أنتظر أبد الدهر كي تقوم بخطوتك القادمة. لكن أتعلمون ما سر عدم شعورنا بذلك الملل؟ السبب هو النقطة الثانية التي تحدث عنها بالفعل: التنقّل السريع.
ساعد التنقل السريع على سد فجوات الملل بين ظهور القطعة والأخرى في القصة. إذا أتيت بمشهد طويل مدته 10 دقائق، وآخر 10 دقائق، وآخر 10 دقائق، وجعلتك تُشاهد كل واحد منهم بالكامل وحده، ستشعر بالملل، لأن المكان واحد والزمن واحد. لكن إذا أتيت لك بـ 3 دقائق من كل مشهد بالتناوب، ستجد نفسك تقفز من هذا إلى ذاك ويتولد بداخلك شغف لمعرفة ماذا سيحدث في الدقائق التالية من كل مشهد. وهذا ما فعله المُخرج ليقلل من عنصر الملل في المسلسل.
الشخصيات
أغلب الشخصيات لها وصف واحد فقط لدي: كاريزماتيّة!
الكاريزما هي الهالة التي تنبعث من الشخصية لتجعلك تتعلق بها على الفور. والذي يُساعد على بناء تلك الكاريزما العديد من الأشياء في الواقع: الكلمات العميقة، الملابس المنمقة، والتمثيل الرزين. هذا ظهر في الكثير من الشخصيات خلال مسلسل DARK فعلًا، وهذا ما جذبني إليها بشدة. ستجد بعض الشخصيات لا تتبع تلك القاعدة الذهبية، وذلك يرجع لأنها شخصيات ليست بالغة بالقدر الكافي لتكتسب أول عنصر في المعادلة: الكلمات العميقة، أي الحكمة. لكنها مُميزة على كل حال بالنسبة إلى شريحتها العمرية.
أقرأ أيضًا: “هيا الشعيبي” تستعد لتقديم مسرحية “عودة ريا وسكينة” في عيد الفطر القادم
التمثيل
حسنًا، التمثيل بالمُجمل جيّد. ليس بالخارق والممتاز، وليس بالسيء والمأساوي. لكن في ظل تلك التقليدية، يوجد ممثل واحد فقط استطاع أن يجعلني أتعلق به بشدة في مسلسل DARK الألماني، وهذا الممثل هو Mark Waschke. قام بدور شخصية (نوح)، وكانت وقفته ونظرته للكاميرا كاريزماتية بحق. أحببت تلك الشخصية جدًا بالرغم من نواياها ونوازعها المتقلبة خلال المسلسل كله.
الإخراج
مسلسل DARK من إخراج Baran bo Odar، وقد قدم فعلًا مجهودًا ملحوظًا فيه. الإخراج جيّد، لكن كنت أتوقع أن يتم أخذ بعض المشاهد بزوايا مُختلفة أو بكاميرات ثابتة أكثر منها متحركة. حيث رأيت أن بعض المشاهد تم أخذها بكاميرات متنقلة محمولة على مروحيات – Drones. وكان من الأفضل أن يتم أخذها بكاميرات ثابتة موضوعة على سيارات مُتحركة تسير ببطء، هكذا ستكون المشاهد واقعية أكثر. حيث مشاهد المروحيات كانت مهزوزة بعض الشيء، ولم تجعل المشهد يظهر كما يجب أن يكون.
أقرأ أيضًا: أهم الأفلام الهندية في 2018 وZero في الصدارة
الموسيقى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق