بالرغم من أن عشقي الأول هو الروايات التي أنغمس تماماً في عوالمها المتشابكة وشخوصها الكثيرة المتنوعة، فأظل أبحث عن نفسي فيها طوال الوقت، لأجدني عادةً متفرقة بين قلب هذا وعقل تلك، إلا أنني أرى أن المجموعات القصصية هي الأكثر ملائمة لإيقاع حياتنا السريع، حيث أجد في كل مجموعة مميزة بديلاً يسكّن حاجتي الملحة لكلمة عذبة تروي ظمأي الدائم لعذوبة الكلمات.
لذا فأنا هنا اليوم للحديث عن واحدة من أفضل المجموعات القصصية التي نشرت عام 2018.
مجموعتنا اليوم محور الحديث هي “صيّاد النسيم” كتبها محمد المخزنجي ونشرت للمرة الأولى في 27 يناير 2018.
قدم لنا محمد المخزنجي ستة عشر نصاً أدبياً بها من العذوبة والسلاسة ما دفعني دفعاً لعرض رؤيتي الخاصة جداً لعدد من نصوص المجموعة التي أثرت بي.
رؤية أشاركك بها لتكشف لك دروباً جديدة ربما لم تدركها في قرائتك الأولى، أو قد تكون أدركتها بالفعل وجئت لتؤيدني أو تختلف معي وتناقشني بها، فمن روعة نصوص المجموعة أنها تحتمل أكثر من رؤية وتفسير.
وفي حال لم تكن قد قرأت المجموعة القصصية بعد، فتلك الرؤية ستوضح لك أبعاد الصورة الخفية كما ظننتها أنا، وفي نفس الوقت لن تحرق لك أحداث النصوص.
دعنا الآن نبدأ على الفور جولة سريعة نتعرف فيها معاً على لمحات الدكتور المخزنجي المؤثرة من خلال ستة نصوص عذبة إخترتها بعناية من بين نصوص المجموعة الستة عشر ، لما تقدمه لنا من حالات إنسانية شديدة العمق بسيطة الطرح لدرجة مذهلة.
ابتسامة أم كيسنجر الوحيدة
من بين دموع ندم كاد يفتك بقلب التوأمان، طلت ضحكة والدتهما “أم كسينجر” كضمادة رحمة لقلوبهما النازفة.
تناولت قصة أم الثمانية أو أم كيسنجر موضوع سبق وتم تناوله مئات المرات في مختلف الأعمال الأدبية والأفلام والمسلسلات والعديد من البرامج أيضاً، ومع كل هذا نظل وسنظل نقع في نفس الخطأ ونحصل على تلك النهايات المؤسفة، لنحاول تبديد أحزاننا بالقشة المتهالكة التي سبق وأنقذت مئات الغرقى من قبل.
لا أرى في قصة المخزنجي هنا إلا دعوة، علينا أن نلبيها جميعاً لتستطيع أم كيسنجر ومعها العديد من الأمهات الحصول على ابتسامات كثيرة وربما ضحكات سنحيا نحن على صداها سنوات وسنوات.
مقتل ساحر الزجاج
نصاً تحمل كلماته الكثير من الفلسفة، قد يكتفي البعض بكون النص مجرد قصة خيالية جميلة أخرى، ولكني أجد ساحر الزجاج هنا مثال لشفافيتنا ونقاء أرواحنا ونحن أطفال، مثال للبساطة التي تغادرنا شئنا أم أبينا كلما تقدمنا في العمر، وواجهنا المزيد من التعقيد في مختلف مجالات الحياة.
ولكن تظل هناك قطعاً صغيرة من تلك النفوس البسيطة النقية تصارع من أجل البقاء، تُرى هل حقاً تستطيع الإنتصار والبقاء أم يُقتل بداخلنا وربما بأيدينا ساحر الزجاج؟
كيف صِرتُ طاهياً ماهراً في ليلة واحدة؟!
إستطاع محمد المخزنجي في أربعة أو خمسة صفحات وضعنا في حالات متباينة ما بين البهجة الخالصة، والحزن الشديد، هناك أيضاً الكثير من الوحدة والقليل من المشاركة.
ستعرف ياعزيزي عند مقابلتك لبائع الشطائر العجوز، كيف تستطيع الوصول للدفء المختبيء بين طيات البرد القارص، فتصنع منه طوق نجاتك الخاص.
ربما لم يعطنا المخزنجي هنا وصف مفصّل، ولكنه أعطانا ما يكفي لنرتجف مع رياح قصته العاتية.
وَزَّة نهاية العالم
يقدم لنا هنا محمد المخزنجي نصاً مباشراً يتبع به نهجاً جديداً يختلف عن ما إعتاد أن يقدمه من فلسفة ومغزى خفي غير مباشر قصد به في الكم الأعظم من مؤلفاته قارئاً مخضرماً يملك مخيّلة خصبة تمكنّه من فك الرموز العصيّة وفهم الأبعاد كاملة.
فالنص هذه المرة جاء مباشراً وواقعياً مفرطاً في كوميدياته السوداء، حيث سنقابل هنا “سيد موميا” السائق العجوز، الذي يرحب بمرض وبائي يخلّصه من حياته البائسة ولكنه سيمكنّه قبل ذلك من تناول وزة مشوية في الفرن!
ستضحك وتبكي عندما تقرأ حكاية سيد موميا، ثم تتوقف بعدها لحظات طويلة تعد عشرات بل ربما مئات من سيد موميا تقابلهم في حياتك طوال الوقت.
وبالرغم من واقعية القصة إلا أن المخزنجي لم يستطع تركها إلا بعد إضافة لمسته الفلسفية التي جاءت ساخرة ككقصته، حين أشار في النهاية لكتاب ” الحياة الخفية للغبار” !
عليك هنا يا عزيزي القارىء أن تقرأ النص لتفهم أكثر .
صيّاد النسيم
النص الذي يحمل عنوانه عنوان المجموعة كاملة، ربما تجد قصة صيّاد النسيم ليست الأفضل أو الأكثر تميّزاً لتحمل عنوان العمل، ولكنها قصة متفردة بواقعيتها وكوميدياتها السوداء، وصادمة جداً لتوقّع القارىء.
فما الذي يمكننا توقعه مع عنوان مثل “صيّاد النسيم” ربما سنبحث عن الفتاة التي تدور في الحدائق تغني وتجمع الورود في سلتها الصغيرة بينما يداعب النسيم خصلات شعرها الحريري.
وهو تصوّر من المنطقي أن يخطر لك كما خطر لي ولكنه غير صحيح على الإطلاق!
فبطلنا هنا كهل بائس يحكي قصة أكثر بؤساً، جرت له حينما قرر إصطياد النسيم بالمعنى الحرفي للجملة!
فقد كان يحاول الحصول على نسمة هواء منعشة ليستطيع الحياة في شقته القبلية الخانقة!
هل نجح صيّاد النسيم في تحقيق مراده؟ نعم نجح وبجدارة.
لمَ إذن القصة بائسة؟ هنا سأقول لك ياعزيزي عليك أن تقرأ النص كاملاً لتعرف السبب!
تميمة الألزهايمر
أخر نصوص المجموعة وأكثرها حزناً، يوضح لنا النص ببساطة قاسية النتيجة الحتمية لمَ يمكن أن يفعله بينا الأخرون في حال تركناهم يعبثوا في حيواتنا وانتظرناهم نحن على مقاعد المتفرجين!
عقول تذهب بلا رجعة بالمعنى المباشر الصريح ، هذا ما حدث للفنان التشكيلي ممدوح دفراوي الذي يفقد عند أقل إحتكاك بالأخرين كل تلقائيته التي لايجد راحته إلا بها، ليبدأ في حساب أنفاسه التي سيطلقها أو يمنعها في وجود حضور جماهيري غريب.
أعطتنا القصة في البداية جرعة عالية من الكآبة ظلت تزداد كلما تقدمنا أكثر إلى أن وصلنا في النهاية لأسوء نتيجة ممكنة، قبل أن تشرق فجأة شمس تميمة الصغيرة التي حمل شعاعها الخجول طوق نجاة محتمل.
وصلنا الآن لنهاية الحديث عن نصوص مختارة من مجموعة الدكتور محمد المخزنجي الأحدث، أرجو أن أكون قد نجحت في تقديم تلك المجموعة القصصية العذبة، من خلال كلماتي البسيطة التي لا تحمل إلا إنطباع ورؤية قارئة تكتب ببساطة شديدة ما تشعر به وتظنه يستحق المشاركة مع قارىء متميز مثلك ياعزيزي.
رابط صياد النسيم موقع goodreads – رابط شراء المجموعة من موقع جملون
The post حين إصطاد المخزنجي النسيم وأطلق لنا عبيره.. مراجعة المجموعة القصصية صيّاد النسيم appeared first on أراجيك.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق