معتقدات خاطئة انتشرت بين الناس عن التدوين والكتابة على الانترنت


موضوع

عدد المدونين أو كتاب المقالات في العالم العربي أصبح كبيراً بشكل مرعب، لقد صرت أغلق بابي كي لا أصطدم بهم، أفتح نافذة المنزل يدخل لي عشرة منهم، أفتح صنبور المياه ينزل لي خمسة منهم…ولم أستطع في الحقيقة إيجاد إحصائية دقيقة لعددهم لكن يمكنك أن تتخيل كم يحتاج خمسة عشر ألف موقع عربي من الكتاب!..وذلك حسب دليل المواقع العربية على شبكة الانترنت العالمية المنشور عام 2017.

التدوين في العالم العربي

منذ عام ثلاثة وتسعين وتسمعائة وألف وظهور أول صحيفة الكترونية على الانترنت في فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية بدأ عصر جديد لنشر المعلومات والأخبار في العالم، وبعد أن كان العمل الصحفي مقتصراً على المختصين والدارسين وله تلك الهالة العظيمة التي تحيط بالعاملين به، وكان نشر الأخبار والموضوعات الاجتماعية والاقتصادية والفنية وحتى الترفيهية مقتصراً على الصحف والمجلات، فتحت الشبكة العنكبوتية مجالاً واسعاً لمن يرغب بالقيام بهذا العمل من خلال مواقع ومنتديات منوعة (لو كنت تذكر ذاك الزمن الذي كنا ندخل فيه باسم مستعار ونكتب خواطرنا وأفكارنا).

تزامن ذلك مع عصر المدونات التي انتشرت بشكل واسع للغاية كمنبر للتعبير الحر وغير المشروط حتى وصل عددها في العالم العربي إلى ستمئة ألف مدونة مع اعتبار أن ربعها فقط هو الفعال، ثم انتقل التدوين إلى عصر جديد مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي وفيسبوك وتويتر على الساحة وانتشار المواقع المنوعة الثقافية العامة منها والتخصصية والتافهة والفنية الخاصة بنشر أخبار الممثلين والممثلات وما الذي تناوله الممثل الفلاني في عشائه واشترته الممثلة الصاعدة في جولة تسوقها أو ما أخبار حالة الصداع التي أصابت تلك الممثلة القديرة القديمة..إذا تجاوزنا مواقع الصحة والتي تهتم كثيراً بصحة المواطن وخصوصاً الجنسية منها..

كل هذه المدونات والمواقع الالكترونية يعمل عليها جيل جديد من المدونين، والذين لا يمكن أن تسميهم صحافيين لأن الصحافة لها معايير مختلفة تماماً في موادها وأسلوبها والعاملين بها، لكنهم يكتبون المقالات الالكترونية كعمل حر يمكن أن يقوموا به من المنزل وله مردود مادي جيد مقارنة بغيره من الأعمال، مما دفع الكثير من الشباب بالسعي للعمل بالتدوين على اعتباره (Easy money) أو يقدم لهم المال السهل السريع، وأصبح بإمكان (أي شخص) أن يضيف على حسابه على فيسبوك أنه يعمل (كاتب) وربما يتجرأ ويكتب (صحفي) أيضًا!

وبسبب عدم وجود أي قوانين تحكم هذا العمل، أو أي رقابة أو معايير يظل الفيصل أو الحكم الوحيد هنا هو القارئ الذي يقرر لمن ستكون الاستمرارية، لكن بحكم عملي في هذا المجال لأكثر من أربع سنوات تعاملت فيها مع الكثير من الكتاب المحترفين والمبتدئين أستطيع أن أتحدث عن بعض الأفكار الخاطئة المنتشرة بكثرة بين رواد الانترنت عن المدونين أو كتاب المقالات:

العمل في التدوين لا يحتاج إلى مهارة أو اختصاص

يكفي أن يجد فكرة منتشرة بكثرة أو “تريند” كما هو متداولK وصياغة صفحة أو صفحتين عنه، أو يكتب عن آرائه الغريبة في الحياة وينتقد كل شيء في مجتمعه وأهله وبلده، ثم يرسلها للموقع لينام وهو مرتاح الضمير وأنه قد أدى واجبه تجاه الإنسانية والكون وقام بما عليه.

أنا أُسَمي هذا العمل بالسهل الممتنع، قد تقرأ مقالاً عن أمر بسيط جداً مثل التدوين أو العمل الحر أو مراجعة لأحد الأفلام وهو في الحقيقة قد استغرق منه الكثير من البحث والقراءة وتراكم خبرة طويلة في مجاله حتى استطاع الوصول لهذا المحتوى.

تكمن المهارة في التدوين في تقديم الفكرة المعقدة أو الصعبة بطريقة سلسة وبسيطة دون عبارات مقعرة مثل الكتابة الأدبية، وهذا أمر لا يمكن الوصول له دون خبرة وعمل مستمر.

أيضاً بسبب انتشار عدم التخصص في كل شيء في عالمنا العربي، امتد هذا الأمر إلى التدوين وصار أي شخص يمكن أن يكتب ويهري في أي شيء ويدخل إلى عمق وصلب المادة دون أن يملك أي أرضية علمية ثابتة عنه.


سيجعل من صاحبه غنياً يلعب الدولار واليورو ويقضي الصيف في هاواي

وعلى النقيض تماماً هناك من يعتقد أن هذا العمل مجاني وعبارة عن تطوع من صاحبه للقيام به بدون أي مقابل، وكلاهما غير صحيح.

يمكنك أن تعمل في الكتابة للمواقع المختلفة بمقابل مادي يتراوح بين البسيط والجيد وهذا يرجع للموقع نفسه، وهناك مواقع لا تدفع أي مبلغ لمن يشارك فيها، لكن بالتأكيد هذا يماثل أي عمل آخر في الوجود، فزيادة الخبرة تمنحك المزيد من المميزات وفرصاً أفضل في العمل، وبالطبع زيادة في المردود المادي.

وقد ظهر نوع جديد من تجار الكتابة يقدمون المهمة على أنها عمل بسيط من المنزل لا يحتاج إلى أي شيء وبالتالي هو من أرخص الأعمال، فقد تجد عرضًا على مجموعة ما يطلب “مجموعة كتاب مقالات” لكتابة 10 مقالات في اليوم، طول المقال الواحد 500 كلمة على الأقل، مقابل 20 جنيه مصري على المقال الواحد!! مهزلة حقيقية!!


قدم للقارئ ما يريد أن يقرأه

هذه قاعدة يسير عليها البعض في ما يكتبون ويقدمون لقرائهم ما يريدون أن يقرؤوا فقط، عن القضايا التي رفعتها الفنانة الفلانية على العلانية لأنها سرقت منها كلمات اغنيتها أو نشرت تدوينة تهزأ منها، أو عن طريقة جلب الحبيب وأكل الزبيب وفك السحر..أو عن الطريقة التي تخدعنا بها ناسا لتقنعنا أن الأرض كروية بينما هي مسطحة…ومن هذه الكثير من الموضوعات التي يمكن أن تملأ بها مواقع كاملة وتربح منها أيضاً.

بالمقابل تستطيع أن تقدم لقراءك ما يحتاجونه من المواضيع المهمة والتي تفيدهم والتي قد لا تكون بذلك العمق الفلسفي والعلمي، لكنها ليست تافهة أو سخيفة ولا تقدم للقارئ سوى دقائق من التسلية.

راجع أيضًا: التدوين لا يحتاج موهبة، ويمكن لأي أحد أن يخربش على الانترنت


الفكرة الجيدة تكفي

لا، للأسف…الفكرة الجيدة لا تكفي، مالم تكن تكتب عن تجربة حقيقية، فمهما كنت تملك من الخبرة الحياتية والعملية، ستحتاج أن تقوم ببعض البحث لجعل مقالك أفضل وأكثر موضوعية ويناسب جميع أنواع القراء، فلا يريد القارئ أن يرى فقط رأيك الشخصي، بل يحتاج أن يقرأ بعض المعلومات الموثوقة والمستندة إلى مصادر دقيقة ليس من ضمنها ويكيبيديا العربية.

خصوصاً لو كان المقال يتحدث عن فكرة جديدة أو طريقة غير مألوفة للقيام بالأمور، أو عرضًا لمشروع أو منتج ما.

وحتى لو كان لديك أفضل مقال في العالم، ما زال هنالك الكثير الذي عليك تعلمه، فالوصول إلى الجمهور وسط هذا الزحام التدويني لم يعد أمرًا سهلًا على الإطلاق. عليك تعلم بعض الأشياء مثل مبادئ تنظيم محركات البحث SEO، وخوارزميات شبكات التواصل، وربما تحتاج للتعديل على محتوى ما كتبت بطريقة تضمن وصول المقال أو التدوينة إلى عدد أكبر من الناس، إلا إن كان جمهورك المستهدف عبارة عن أصدقائك على فيسبوك وأولاد عمك.

لو كنت تعتقد أن الكتابة بشكل عام وعلى الانترنت أمرٌ سهل، أو مربح أرجو أن تعيد التفكير مجددًا.

The post معتقدات خاطئة انتشرت بين الناس عن التدوين والكتابة على الانترنت appeared first on أراجيك.

مجانا  .
المطور : أراجيك.   النوع : مجهول .
+3

 !  يتوافق هذا الموضوع مع جميع أجهزة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تطبيقات مشابهة قد تعجبك :

المشاركات الشائعة