فيلم In The Name Of The Father 1993 هو أحد أفلام المخرج الأيرلندي “جيم شيريدان” “Jim Sheridan” ومن بطولة نجم التقمص العالمي “دانيال داي لويس” “Daniel Day-Lewis”. حصل الفيلم على موقع IMDb تقييم 8.1، كما حصد عدة جوائز منها جائزة “الدب الذهبي” في مهرجان برلين لعام 1994 وترشح لـعديد من الجوائز وعلى رأسهم كانت سبع جوائز للأوسكار منها جائزة أحسن فيلم وأحسن ممثل، ولكن الحظ لم يحالفه في الفوز بأي منهم.
وبالرغم من ذلك إلا أن الفيلم قد حصد على جماهيرية شديدة وحقق نجاحات مدوية في ذلك الوقت؛ لأنه مأخوذ عن قصة حقيقة لرواية البطل نفسه “جيري كونلون” “Gerry Conlon” اسمها “Private Innocent”كتبها هو نفسه، ويروي فيها قصته بالكامل، تلك القصة التي غيرت في مسارات الحكومة البريطانية آنذاك، وتربعت على عرش الرأي العام في ذلك الوقت.
قصة فيلم In The Name Of The Father
تدور أحداث القصة في بداية السبعينات تحديدًا عام 1974، ويرجع هذا التاريخ إلى حرب داخلية كانت تدور بين الجيش الجمهوري الإيرلندي وبين الجيش البريطاني.
وفي مدينة “بلفاست” حيث موطن أغلب الإيرلنديين آنذاك يحارب الشاب العشريني “جيري كونلون” مع رفقائه قوات الجيش البريطاني معلنين سخطهم عليهم، حتى تحدث مشكلة يرسله بسببها أبيه “جوسيبي” والذي علاقته بابنه ليست على وفاق، لخالته “آني” في لندن، بحثًا عن العمل في المقام الأول وفي المقام الثاني هروبًا من الصخب الذي يحدث في مدينته. وفي لندن ينضم “جيري” لجماعة من “الهيبيز” بحثًا عن الحب والحرية، وأثناء تجوله في أحد الشوارع، تفجر جماعة من الجيش الجمهوري الإيرلندي “حانة جيلدفورد”، ويُتهم في حادث التفجير “جيري” وثلاثة من زملائه في الجماعة، ويتم اعتقالهم بعد أن وقعوا بالغصب معترفين بارتكابهم الجريمة. وعلى صعيد آخر ذهب “جوسيبي” للندن حينما عرف الأمر لتوكيل محامي لابنه في القضية، وفي بيت “آني” يتم القبض على الجميع بما فيهم هو بتهمة تصنيع المتفجرات التي تم استخدامها في حادث الحانة، ويُسجن “جوسيبي” مع ولده في نفس الزنزانة. وفي المعتقل تشهد القصة تغيرات كثيرة وتحولات في شخصياتهما أخذت تتصاعد شيئًا فشيئًا حتى نهاية الفيلم.
طريقة السرد والتناول
في حقيقة الأمر ودون قراءة السيرة الذاتية لـ “كونلون” نفسه، إلا أن المخرج “شيريدان” نجح في الهروب من فخ الملل الذي يصيب دائمًا هذا النوع من الأفلام التي تحكي سيرة ذاتية ما، فكان السيناريو الذي كتبه هو نفسه متصاعدًا ومترابطًا بشكل جعل إيقاع الفيلم ليس بطيئًا على الإطلاق، فهو منذ اللحظة الأولى يضعك في بؤرة حادث التفجير، ثم بطريقة الفلاش باك، الذي استخدم فيها صوت “كونلون” نفسه لرواية الأحداث، نرى كيف بدأ الأمر ونتعرف على أسرة “كونلون” وتركيبة شخصية “جيري” المعقدة والذي قدمها “دانيال داي لويس” بأداء أكثر من رائع كالعادة.
فأنت لست بحاجة لقراءة السيرة الذاتية للتعرف على “جيري” وقضيته؛ لأن “شيريدان” قد نجح في تقديمها بشكل موجز وممتع جدًا في فيلمه، كما أن الطريقة التي استخدمها في حكي القصة تجعلك دائمًا متشوقًا لمعرفة ما هو قادم، فالفيلم بسببه لن تشعر أنه يتناول سيرة ذاتية، بل ستراه كأنه فيلمًا عاديًا له قصة جيدة ويتمتع بصراع شيق.
ففي الفيلم يضعك “شيريدان” مع أبطاله في بؤرة الأحداث وكأنك تعيشها معهم، وأعتقد أن هذا أحد أسباب تميزه، فحينما تشاهده ستشعر أنك أحد الإيرلنديين الذين يحاربوا قوات الحيش الإنجليزي، وأنك فردًا في جماعة الهيبيز الذي انضم لها “جيري”، وأنك أحد نزلاء المعتقل وتعيش ما يعيشوه من أحداث، وأحد الجالسين في قاعة المحكمة تشعر بما يشعر المعنيين به من توتر وقلق، ويُخفَى عنك مثل أبطال القضية حجة براءتهم، وهذا ما سيجعلك تتماهى وتتعايش مع “جوسيبي” وولده وتتعاطف معهم، إلى أن تأتي المحامية “جاريث بيرس” الذي قامت بدورها “إيما تومبسون” “Emma Thompson” لتقلب موازيين القضية كلها رأسًا على عقب.
بالرغم من كل ذلك إلا أن “شيريدان” -في نظري- قد أخفق قليلًا في صنع حبكته حفاظًا على إيقاع الفيلم، فلم تأخذ نقطة بداية الحل وقتها الكافي في الظهور خلال الأحداث، وإخفاءه لها بالطريقة التي جاءت في الفيلم، حافظ فعلًا على تصاعد الإيقاع، ولكنه جعلها غير منطقية بعض الشيء وتحمل شيئًا من الاستسهال، إلا أن استخدامها لتغيير مجرى القصة، بالرغم من عدم طول الأحداث التي تأثرت بها، كان جيدًا جدًا على مستوى الحوار السينمائي.
الشخصيات
واقعية الأداء التمثيلي في الفيلم لكل شخصية وعلى رأسهم طبعًا “داي لويس” هي ما جعلت الفيلم يتمتع فهذه الخصائص الفريدة، التي تجعله مختلفًا عن أي فيلم سيرة ذاتية آخر. فشخصيات القصة مليئة بالصراعات الداخلية العصيبة هذا علاوة على الصراع المجتمعي الذي يعتبر هو أساس القصة، وهذه الصراعات هي ما بثت الحيوية في كيانات كل شخصية ظهرت على الشاشة.
وشخصية “جيري” مليئة بالصراعات النفسية الداخلية، التي تجعلها شخصية مركبة وصعبة في رغباتها وتحدياتها، ماضيها وأفكارها، واختيار “دي لويس” وأدائه التمثيلي أضاف كثيرًا لمعاناتها وأبرزها بشكل حقيقي وواقعي جدًا. كما أن اختيار الممثلين على وجه العموم بصور تكاد تكون أقرب لصور الشخصيات في الحقيقة، كان أمرًا ذكيًا يُحسَب لـ “شيريدان” وللمسؤول عن تسكين الأدوار في الفيلم. فالفيلم هو صورة حية للواقع، وقصته الأصيلة جعلته سينمائيًا ممتعًا على مستوى الصورة، وعلى مستوى الحوار أيضًا.
علاقة الابن بأبيه
إن العلاقة القائمة بين “جيري” و”جوسيبي” -في نظري- هي عامود الأساس لقصة الفيلم وتصاعد أحداثه، كما أن استخدامها الرمزي للدلالة على رسالة الفيلم يعتبر من ركائز القوة التي تميز بها. فالعلاقة بينهما لم تظهر فقط في اللغة الحوارية على مدار الفيلم، ولكن في الصور التي أجاد “شيريدان” صنعها، وفي الصراع العميق الذي يحمله كل منهما داخله.
فيبدأ الفيلم لنرى كيف أن علاقتهما غير وطيدة، وكل منهما له تحفظات كثيرة على الآخر. وبعد أن وضِعوا سويًا في زنزانة واحدة انفجر من هنا كل شيء داخلهما. فالسجن بالنسبة لجوسيبي كان هو الوسيلة لتربية ولده من جديد، وبالنسبة للأخير كان هو المدرسة التي تعلم فيها كيف يكون صاحب رأي، كما عرف فيها الصواب من الخطأ. فكلما كانت تتوطد علاقتهما أكثر، كلما كانت تزداد عقدة حل القضية أكثر، وذلك الأمر كلف كلًا منهما كثيرًا من العناء الذي ساهم في نهاية الفيلم في إكمال شخصية “جيري” وفي بلورة أهدافه ورغباته أكثر.
فالفيلم لم يكن غرضه فقط عرض الجانب السياسي للقضية، بل وعرض الجانب الإنساني الاجتماعي في علاقة الابن بأبيه أيضًا، وتفضيل هذا الجانب على الآخر وإثقاله. وبراعة “شيريدان” النابعة من أصول القصة نفسها جاءت في استخدام هذه العلاقة لمحاربة الفساد القائم في الجانب الأول، والذي بسببه قد اعتُقِلا الاثنان معًا، فلولا توطيد العلاقة بينهما التي تجعل “جيري” يحب أبيه ويتعلق به أكثر، لما جاء الحل الذي تمثل في تمسك “جيري” بقضيته وبأحقيته في البراءة والخروج من المعتقل بعد قضاء 15 عامًا داخله. وكأن حب “جيري” لأبيه هو ما بعث فيه صوت النضال، والتمسك بالهدف والسعي وراء تحقيقه، وهذه هي رسالة الفيلم التي حُملِت في جوهر بنائه، وتعمقت في تصاعد أحداثه حتى النهاية.
فيلم In the name of the father هو رحلة ملحمية مليئة بالأحداث القوية، ومحمّلة بدروس كثيرة على المستوى الاجتماعي والسياسي أيضًا. وواقعية القصة نفسها أعطته طابعًا فريدًا للغاية أضاف الكثير لمتعته السينمائية على كل المستويات، وبعد أن تنتهي من مشاهدته ستتعجب كيف لم يحصل على أي جائزة من جوائز الأوسكار السبع الذي ترشح لهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق