منذ اليوم الأول لها، لم تتوانى «جائزة نوبل» عن طرح الجدل حولها.. ففي البداية منحت الجائزة بناء على وصية المخترع السويدي الشهير «ألفريد نوبل»، الذي أراد التطهر من إثم اختراعه للديناميت. ورغم إعلان الوصية بعد وفاته في عام 1895، إلا أنها كانت مثيرة للجدل، واستغرق الأمر ستة أعوام حتى رأت النور وتم تنفيذها.
من هو ألفريد نوبل – Alfred Nobel؟
وفيما بعد، وعلى مر تاريخ جائزة نوبل اختارت اللجنة المختصة في أحوال كثيرة العديد من الشخصيات المثيرة حقًا للجدل للفوز بالجائزة، كان آخرها هذا العام 2019 بإعلان فوز كُلًا من «بيتر هاندكه» في فئة الأدب، والرئيس الوزراء الإثيوبي «أبي أحمد على» في فئة السلام، ليتجدد الجدل حول الجائزة العالمية الأشهر مرةً أخرى، ومدى السقطات التاريخية التي ارتكبتها بشكل لا يغتفر.
أسوأ القرارات في تاريخ جائزة نوبل
«بيتر هاندكه» أديب يرقى لمجرم
نبدأ من الأحدث، حيث أثار حصول الكاتب المسرحي والروائي والشاعر والمخرج السينمائى، وكاتب السيناريو النمساوي «Peter Handke – بيتر هاندكه» على جائزة نوبل في الأدب لعام 2019 انتقادات شديدة، وشكل صدمةً كبيرة في الأوساط الأدبية العالمية.
وذلك بسبب مواقف «هاندكه» المناصرة للإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة والهرسك، وصداقته وتعاطفه مع الرئيس الصربي «سلوبودان ميلوسيفيتش»، وزيارته له عام 2004 في محبسه بلاهاي بعد محاكمته كمجرم حرب، بل، وحضوره جنازته عام 2006 و إلقائه لخطبة الوداع، حتى اعتبره البعض مجرمًا وليس أديبًا.
جائزة أم فضيحة نوبل؟ الجائزة الأدبية الأشهر عالميًا على المحك!
من المعروف عن «هاندكه» حبه للتكثيف والاقتضاب ونفوره من الإطالة، فمعظم أعماله تتميز بصغر حجمها، فلا يتجاوز عدد صفحاتها الـ 120صفحة، فضلًا عن ثقل المحتوى الأدبي لأعماله، وتصويره لمشاعر الإنسان ولمظاهر الحياة اليومية التى تحوطه، فيطلقون عليه لقب «الأديب الكاميرا».
يحتل «هاندكه» مكانًا بارزًا بين الأدباء المتمردين على القديم، والباحثين شكلًا ومضمونًا عن الجديد، الحائرين في البحث عن هوية الإنسان، ومكانه في الكون بين المخلوقات، ومكانه في المجتمع مع الآخرين.
ولد «هاندكه» في عام 1942، فى بلده جريفن بجنوب النمسا، لأب ألماني وأم سلوفينية، وقضى جزءًا من طفولته في برلين،والتحق بالمعهد الديني، لكنه هرب منه، ليلتحق بجامعة جراتس فترة قصيرة. وعندما نُشر كتابه الأول، ترك الدراسة وتفرغ بجدية لمسيرته الأدبية.
«ماري كوري» نوبل لمرتين وفضيحة أخلاقية
فيما تُعد «Marie Curie – ماري كوري» أول امرأة تفوز بجائزة نوبل، وأول شخص يفوز بالجائزة مرتين، (فى الفيزياء عام 1903، وفى الكيمياء عام 1911)، وما زالت حتى الآن هي الشخص الوحيد الذي حصل على الجائزة في مجالين علميين مختلفين.
وأول إمرأة في أوروبا تحصل على درجة الدكتوراه في البحث العلمي، وقد اكتشفت عنصري الراديوم والبولونيوم وخصائص النشاط الإشعاعي، وتوفيت في النهاية متأثرة بمضاعفات مرض سرطان الدم؛ نتيجة التعرض المكثف للإشعاع خلال تجاربها، وهي أيضًا أول امرأة يتم دفنها تكريمًا لها فى مقبرة العظماء فى باريس.
فقد كان من الممكن، وعلى الرغم مما قدمته «ماري كوري» للعلم طوال حياتها، أن يصبح منحها للجائزة على حد السواء مع عدم منحها للجائزة كسقطة في تاريخ الجائزة المرموقة والأكثر شهرة في العالم.
فـ «ماري كوري» كانت مثيرة للجدل والانتقادات طوال مسيرتها العلمية، فكونها امرأة تعمل وسط الرجال في المعامل حينها، سبب تحيزًا ضدها وكان محط انتقادات الأوساط العلمية، حتى أن لجنة نوبل قد قررت إسقاط اسمها من قائمة الترشيحات عند فوزها بالجائزة للمرة الأولى، لولا تقديم «بيير كوري» -زوجها الأول وشريكها في نيل نوبل الأولى- لطلب تظلم.
وفي عام 1906 عندما توفي «بيير كوري» بحادث سير غريب، إذ دهسته عربة تجرّها خيول في أحد شوارع باريس، واصلت «ماري كوري» مسيرتها العلمية حتى تعرفت على فيزيائي فرنسي آخر هو «بول لانجوفان». لكنه كان متزوجًا، مما جرّ عليها فضيحة كبرى، شكلت مادة صحفية مثيرة للجرائد وقتها، حتى أن لجنة نوبل عند فوزها بالجائزة للمرة الثانية طلبت منها عدم الحضور حتى لا تصبح الأكاديمية طرفًا في الفضيحة.
قراءة في حياة علي عزت بيجوفيتش.. الحرب والسلام – الجزء الثاني
«مهاتما غاندي» لا سلام له مهما فعل
بالرغم من أنه تم ترشيحه خمس مرات لنيل الجائزة، بما في ذلك عام 1948، قبل أيام فقط من حادثه اغتياله، إلا أن الزعيم الروحي الهندي «Mahatma Gandhi – مهاتما غاندي» لم يحصل على جائزة نوبل للسلام.
كان أعظم إنجازات «غاندي» تقديمه لفلسفة قوة الحق لحلِّ الصراعات، المعروفة بالهندية باسم «satyagraha – ساتياغراها»، القائمة على المعارضة اللاعنفية في الكفاح الهندي من أجل حقوق الإنسان، القاضية بأنه من دون رفض حكم القانون من حيث المبدأ، يجب على الهنود خرق سلمي لتلك القوانين غير المعقولة أو القمعية.
ولكن في عام 1948، عام وفاة غاندي، رفضت لجنة نوبل منح جائزة سلام تمامًا، على أساس أنه لم يكن هناك مرشح على قيد الحياة مناسب في هذا العام، حيث لا تمنح لجنة نوبل جوائزها بعد وفاته.
وتعليقًا عن تلك السقطة النوبلية، صرح «Geir Lundestad – جير لونديستاد»، سكرتير لجنة نوبل النرويجية عام 2006 قائلًا:
«إن الإغفال الأكبر في تاريخنا الذي دام 106 أعوام، هو بلا شك أن غاندي لم يتلق جائزة نوبل للسلام أبدًا. لقد استطاع غاندي أن يفعل الكثير بدون جائزة نوبل للسلام. فماذا لو كان تم منحه إياها؟».
«أنطونيو إيغاس مونيز» جراح أصاب مرضاه بالشلل
في عام 1949، حصل عالِم الأعصاب البرتغالي «António Egas Moniz – أنطونيو إيغاس مونيز» على جائزة نوبل مناصفة، أول مواطن برتغالي يحصل عليها؛ لقاء عمله المعنيّ بوظائف الأعضاء، ووصفه وتطويره لجراحة دقيقة تسمى «lobotomies»، تقضي بفصل فص المخ الجبهي لعلاج بعض الأمراض النفسية والعصبية، والذي صار الآن اكتشافًا مُخزيًا.
لكن وبما أن الإجراء يتم فيه قطع الاتصال بجزء من الدماغ يسمى «القشرة المخية قبل الجبهية» في حالة مرض عقلي أو اكتئاب. نظرًا، يمكن أن يسبب للمرضى حالة من الشلل أو الإعاقة، ويُعتقد الآن إنها جراحة غير أخلاقية.
بدأ «مونيز» لأول مرة تجاربه في إجراء الجراحة على البشر في عام 1936. وحكم على النتائج بإنها مقبولة بعد أول 40 مريض خضعوا لتلك الجراحة، مدعيًا إن استئصال هذا الجزء من المخ عملية بسيطة وآمنة دائمًا، وفعالة في بعض حالات الاضطراب العقلي.
واعترافًا بأن حدوث بعض التدهور السلوكي والشخصي يحدث غالبًا لهؤلاء المرضى، اعتقد «مونيز» أن آثر الانخفاض في طبيعة المرض العقلي المنهك تفوق الآثار الجانبية للجراحة. لكن هذا لم يتفق لكل مرضاه، ففي عام 1939، قام مريض سبق وأن خضع لتلك الجراحة بإطلاق النار على «مونيز» بعدما سئم من حياته باستخدام كرسي متحرك.
في الأربعينيات، عندما تم تحسين إجراءات تلك الجراحة من قبل طبيب أمريكي يدعى «Walter Freedman – والتر فريدمان»، تحسنت لفترة وجيزة، مما أدى إلى استلام «مونيز» لجائزة نوبل عام 1949. وتم إجراء حوالي 20،000 عملية جراحية دقيقة في الولايات المتحدة قبل حظر الجراحة نظرًا لسوء سمعتها بعد عدة سنوات.
«ديمتري مندليف» عفى عليه الزمن
لنوبل تاريخ من إغفال الاكتشافات والابتكارات الهامة، ومنها الجدول الدوري للعناصر، والذي يُعد واحدًا من أكثر الأدوات المفيدة والأكثر شهرة في الكيمياء.
يرجع الفضل إلى الكيميائي الروسي «Dmitri Mendeleev – ديمتري مندلييف»، والمعروف برائد الكيمياء الحديثة، في تنظيم العناصر وفقًا لأوزانها الذرية، حيث يقال أن فكرة الجدول الدوري خطرت له في أحلامه، ولكنه رد بأنه ظل يفكر فيها لمدة 20 عام.
حيث قام «مندلييف» في عام 1869 بترتيب العناصر بالاعتماد على السلوك (الدوري) للخصائص الكيميائية للعناصر. باستخدام جدوله الدوري، قام ميندلييف بالعديد من الاستنتاجات المفيدة حول طبيعة المادة، وكان قادرًا على التنبؤ بخصائص العناصر غير المكتشفة بعد.
الجدول الدوري للعناصر الكيميائية يبلغ الـ 150.. فماذا تعرف عنه؟
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن «مندليف» عاش حتى عام 1907، أي بعد ست سنوات من بدء منح جائزة نوبل في الكيمياء، إلا أنه لم يتم الاعتراف به. ورُشح لجائزة نوبل عام 1905 و1906 ولكنه لم يحصل عليها، حيث اعتبرت لجنة التحكيم أن إنجازه أصبح قديمًا ومعروفًا وعفى عليه الزمن.
وفي كتاب «The Road to Stockholm: Nobel Prizes, Science, and Scientists» يدعي المؤلف أن هذا كان بسبب مكائد وراء الكواليس من قبل عضو في لجنة اختيار نوبل الذي اختلف مع عمل «مندلييف».
ومات «منديليف» بالإنفلونزا، وسمي العنصر رقم 101 «Mendelevium – مندليفيوم» باسمه تقديرًا له، دون أن يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء رغم إسهامه الكبير فيها.
وهكذا، وعلى ما يبدو، أن لنوبل تاريخ طويل ممتد من إثارة الجدل مع الكثير والكثير من السقطات في أسماء الفائزين بها، والتغافل عن شخصيات كانت تستحق الاحتفاء بها.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق