يتميز سوق المال والأعمال بازدحام منقطع النظير، فكل يوم تولد آلاف الشركات وتندثر آلاف أخرى، إنه وسط غير مستقر خاضع لمعايير متغيرة ومقاييس متنوعة قد تقود أفضل الشركات تموضعًا إلى أدنى المراتب أو العكس، ولعل أكثر الشركات والتنظيمات تأثرا بهذه التغييرات الكبيرة تلك الشركات الناشئة التي تعمل جاهدةً من أجل البقاء، فنجد رواد الأعمال المشرفين على هذا النوع من المؤسسات دائمي التفكير في موضوع استمرارية شركاتهم ضمن وسط تغلب عليه الشراسة والسرعة.
في الحقيقة يخضع واقع هذه الشركات لثلاثة احتمالات منطقية:
- أن تثابر هذه الشركة وتحقق أرباحًا مضاعفة من أجل النمو والاستمرارية.
- أن يتم تقييم هذه الشركة ماليًا ثم يتم بيعها أو تحويلها لأسهم تطرح في البورصات.
- أن تسمح الشركة لشركة أكبر منها بالاستيلاء أو الاستحواذ عليها أو يتفقان على الاندماج، الأمر الذي يجعلها تواصل تحت سقف أكثر متانة توفره لها الشركة التي ستحتويها، وهذا ما يعتبر أفضل خيار للكثيرين من أجل حماية مؤسساتهم من الاندثار وفي سبيل تحقيق أرباح مشتركة.
شركة WeWork والتي اعتبرت في وقت ليس ببعيد كواحدة من أفضل الشركات الصاعدة عالميًا، والتي كانت قد حققت أرباحًا قُدرت بمليارات الدولارات، عاشت مؤخرًا صدمة اقتصادية فظيعة هزت كيانها وجعلتها تدخل خانة اللارجعة، وأمام تزايد ديونها وتدهور أوضاعها الداخلية، كانت لا تزال هناك فرصة أخيرة للحفاظ على الاسم وهي السماح لشركة Softbank -وهي شركة اتصالات يابانية وأهم شريك لشركة WeWork- بالاستحواذ عليها بصفقة يعتقد أنها لن تتجاوز عتبة الـ 10 مليارات دولار، ما يجعل شركة WeWork تستمر ولكن تحت لواء شركة تمتلكها وهي شركة softbank اليابانية.
ولقد شهد عالم المال والأعمال عمليات استحواذ لا تُعد ولا تُحصى، أستعرض لكم منها سبع عمليات استحواذ جرت في عالم الشركات إما بسبب الإفلاس أو بقصد زيادة الأرباح.
اربح بالمجان .. DuckDuckGo تمتلك نموذج عمل فريد.. فما هو؟!
أكبر صفقة اندماج في التاريخ
تعتبر صفقة الشراء التي قامت بها شركة فودافون البريطانية لشركة مانزمان الألمانية سنة 2000 والتي وصلت قيمتها إلى 180.95 مليار دولار، أكبر صفقة عمليات استحواذ في تاريخ الشركات، ولقد ساد اعتقاد مفاده أن هذه الصفقة لن تكون ناجحة، لكن ما حدث كان عكس تلك التوقعات، حيث ظهر بعد هذه الصفقة أكبر مشغل هواتف محمولة في العالم، فحققت شركة Vodafone نجاحات عريضة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
من طموحات كبيرة إلى خيبة أمل أكبر
في سنة 2001 حدث ثاني أكبر اندماج في التاريخ بصفقة قدرت بـ 164 مليار دولار، ولقد أبرمت هذه الصفقة الكبيرة كل من شركة AOL وهي شركة أمريكية عالمية متخصصة في مجال الإنترنت والإعلام، وشركة Time Warner وهي شركة إعلامية أمريكية متعددة الجنسيات.
قبل الاتفاق على الصفقة تفاءل الجميع، ولكن بعد عقد الصفقة حدث ما لم يكن متوقعًا، فلقد انهارت القيمة السّوقية لشركة AOL إلى القاع، من 226 مليار دولار الى 20 مليار دولار، كما فقدت كمًّا هائلًا من الزبائن وتقلص عدد متعامليها من 30 مليون إلى 10 مليون، وهذا ما جعل هذه الصفقة تصنف في خانة الصفقات الفاشلة.
كيف سقطت شركة ياهو Yahoo وانتقلت من أهم محركات البحث إلى غياهب النسيان؟
الصفقة الأغلى في تاريخ شركات التكنولوجيا
تعتبر الصفقة التي أبرمت بين شركة Dell المتخصصة في صناعة ودعم الأجهزة الرقمية مع شركة EMC التي تنشط في مجال تخزين المعلومات والأمن الرقمي، الأغلى على الإطلاق في تاريخ شركات التكنولوجيا، بقيمة وصلت إلى 67 مليار دولار؛ ولقد تم إنهاء عقد هذه الصفقة في 12 أكتوبر 2015، فحسب خبراء الاقتصاد ستكون هناك استفادة مشتركة وجيدة بين الشركتين في المستقبل بسبب اتجاه شركة Dell للاستفادة من قدرة EMC من أجل بسط قوتها على القطاع التكنولوجي.
كيف تضمن نجاح شركتك الناشئة الجديدة؟ فقط أجب عن هذين السؤالين!
خطوة ذكية
في 10 مايو 2011 أعلنت شركة مايكروسوفت عن شراء خدمة الاتصال المجاني عبر الإنترنت Skype، بصفقة قدرت بـ 8.5 مليار دولار، جعل هذا الاستحواذ من خدمة Skype خدمة عالمية فريدة من نوعها، إذ انفردت مايكروسوفت لسنوات بتقديم خدمة اتصال مجاني صوتي ومرئي، ما دفع بالكثير من الشركات لتطوير هذا النوع من الخدمات الرقمية كـ Facebook Messenger وخدمة WhatsApp إلى غير ذلك من التطبيقات التي استلهمت من خدمة Skype الكثير؛ في الواقع تعتبر خطوة مايكروسوفت للاستحواذ على Skype خطوة ذكية ومربحة، كسبت منه Microsoft الكثير من الأرباح وصارت Skype خدمة عالمية.
تبادل مصالح
في نهاية أكتوبر سنة 2018، تم عقد ثالث أضخم صفقة استحواذ في تاريخ شركات التكنولوجيا، حيث أقدمت شركة IBM على شراء شركة Red Hat، وهي شركة متخصصة في تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر، ولقد بلغ حجم تلك الصفقة 34 مليار دولار، ما يجعلها أكبر صفقة قامت بها شركة IBM؛ ولقد كان الهدف منها هو إنهاء ديون شركة Red Hat من جهة وتدعيم شركة IBM من أجل مشروعها في تطوير خدمات البرمجة السحابية من جهة أخرى.
ترامب، جونسون، نيومن… هل سنشهد نهاية القادة الحمقى هذا العام 🙏 ؟
اندماج أنهكته قوة المنافسة
لفترة طويلة من الزمن، هيمنت شركة Nokia الفنلندية على قطاع الهواتف المحمولة في العالم، غير أن ظهور iPhone سنة 2007 كان قد خلط كل الحسابات، فتراجعت مبيعات الشركة الفنلندية بسرعة، وزاد الطين بلة ظهور نظام التشغيل Android مفتوح المصدر التابع لـ Google، ما جعل شركة Nokia تصارع من أجل البقاء في السوق؛ فاتجهت الشركة لخيار الاندماج مع أكبر منافس لشركة Google وهي شركة Microsoft، قصد المنافسة وتحقيق أرباح مشتركة، غير أن الأوضاع لم تتحسن كثيرًا، وفي يوم 03 سبتمبر 2013 أُعلن عن استحواذ شركة Microsoft على قطاع الهواتف المحمولة في Nokia في صفقة وصلت الى 7.2 مليار دولار، ورغم ذلك وبسبب المنافسة الشديدة لم تنجح فكرة Microsoft وأُلغيت الصفقة 2016.
نحو تعزيز النقل التشاركي
بمبلغ 3.1 مليار دولار، عقدت أشهر عمليات الاستحواذ الأشهر في الشرق الأوسط، حيث قامت شركة Uber المتخصصة في النقل التشاركي بشراء شركة “كريم” المتخصصة في خدمات التوصيل؛ واعتبرت بذلك من أكثر عمليات الاستحواذ جذبًا للانتباه في الشرق الأوسط خلال هذه السنة، حيث يتوقع أن تغلق الصفقة في النصف الأول من السنة المقبلة؛ إذ من المتوقع ان تعزز هذه الصفقة قوة شركة Uber وتجعلها تتموقع بشكل مثالي أمام المنافسة التي تلقاها في العالم بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، ما سيجعلنا مستقبلًا نرى علامة Uber في أسواق جديدة.
من خلال النماذج التي سبق ذكرها، نرى أن عمليات الشراء والاستحواذ بين الشركات تتم لأسباب عديدة وتقود لنتائج مختلفة، فقد تكون صفقة استحواذ بسيطة، السبيل نحو العالمية، وقد تكون صفقة عملاقة الطريق نحو خسارة عظمى، لذلك لا يجب النظر لمفهوم الاستحواذ والاندماج من جهة المبالغ المدفوعة، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة كثيرة من العوامل، كحالة المؤسسات في السوق، والميزانيات التي ترتكز عليها هذه التنظيمات، كما لا يجب أن نحصر موضوع الاستحواذ او الاندماج بمنطق الضعف لأنها صفقات يتم عقدها إما بسبب الضعف أو بسبب الرغبة في التعاون وزيادة الحصة السوقية.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق