إنّ مدينة هونغ كونغ أو منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة التابعة لجمهورية الصين الشعبية كما هو مُسماها الرسمي، هي مدينة تقع في منطقةٍ استراتيجية مميزة مُحاطة ببحر الصين الجنوبي من جهة ودلتا نهر اللؤلؤة من جهة أخرى، وموقعها الجغرافي المميز هذا لعب دوراً كبيراً في ماضها كما في حاضرها، حيث تُعرف اليوم بمينائها الضخم والناطحات السحابية العديدة.
تُوصف اليوم مدينة هونغ كونغ بكونها مُلتقى الشرق والغرب وذلك بسبب ناطحات السحاب العديدة والتطور التكنولوجي في هذه المدينة، كما أنّها تُعد من أكثر المدن اكتظاظاً في العالم، حيث أنّ عدد سكانها يبلغ قرابة الـ 7 مليون نسمة، كُل هذا جعل هذه المدينة من أهم المراكز الاقتصادية عالمياً، كما أنّ ميناء هذه المدينة من الأهم في العالم.
في شهر نيسان/ أبريل من عام 2019 اندلعت مظاهرات في مدينة هونغ كونغ معارضةً لمشروع قانون تسليم المجرمين إلى جمهورية الصين الشعبية، وهذه المظاهرات مُستمرة حتى يومنا هذا، وقد أصبحت حديث العالم بأسره، وأصبحت تحتل الأخبار العالمية من حينها، لذا ولفهم واقع هذه المدينة بشكلٍ أكبر أردنا في هذا المقال التعرف على ماضي هذه المدينة المشوق وحاضرها والتكهنات حول مستقبلها.
ماضي هونغ كونغ
سكن البشر منطقة مدينة هونغ كونغ منذ عصور ما قبل التاريخ، حيث تُعد هذه المنطقة من أقدم المناطق المأهولة في التاريخ، ويعود هذا لموقعها الجغرافي المميز الذي سمح للبشر بالصيد للحصول على الغذاء، وقد بقيت هذه المنطقة مجرد قرية صيد صغيرة حتى العصور الوسطى، وقد كانت حينها تحت الحكم الصيني، وبينما كان موقعها المميز مناسباً للصيد كان أيضاً مناسباً جداً للقراصنة الذين استخدموها كقاعدةٍ لهم في بعض الأحيان أو محطة انتقالٍ في أحيانٍ أخرى.
في عام 1839 ميلادي اندلعت حرب بين بريطانيا والصين سُميت لاحقاً بحرب الأفيون الأولى، حيث أنّ الصين كانت تحاول الحد من استيراد التجار للأفيون من التجار البريطانيين الذين كانوا يقومون بزراعته في الهند وتصديره إلى الصين لقاء المال أحياناً أو السلع المختلفة في أحيانٍ أخرى، وقد كانت هذه التجارة تدر أموالاً طائلة للبريطانيين، لذا قاموا بشن حربٍ على الصين حين قامت بمحاولة الحد من تجارتهم هذه.
رغبة السلطات الصينية في الحد من دخول الأفيون إلى البلاد تنبع من كون الشعب الصيني أصبح مُدمناً على هذه المادة وما ترتب على ذلك من خسائر اقتصادية ومجتمعية، لكن بريطانيا كانت حينها في أوج قوتها، لذا لم تقف ساكنةً وقامت بشن هذه الحرب التي امتدت حتى عام 1942، وقد حققت العديد من المكاسب لبريطانيا، أحدها كان أنّ هونغ كونغ أصبحت نتيجة هذا الحرب مستعمرةً بريطانية.
لم تُرضِ نتيجة الحرب السلطات البريطانية بالكامل حيث لم تُحقق المكاسب التجارية المتوقعة، كما أنّ السلطات الصينية استمرت في محاولاتها للحد من تجارة الأفيون، لذا اندلعت عام 1956 حرب الأفيون الثانية، وقد انضمت فرنسا إلى جانب بريطانيا في هذه الحرب، واستمرت الحرب حتى عام 1960، وقد حققت مكاسب تجارية واقتصادية واجتماعية كبيرة لبريطانيا، كما تحولت كلٍ من شبه جزيرة كولون وجزيرة ستونكاترز نتيجةً لهذه الحرب إلى جزءٍ من مُستعمرة هونغ كونغ البريطانية.
تحولت هونغ كونغ تحت السيطرة البريطانية إلى مركزٍ اقتصادي وثقافي وسياسي مهم في المنطقة، حيث قامت بريطانية بتوسيع هذه المستعمرة، كما تم إنشاء جامعة هونغ كونغ عام 1911، وبدء مطار كاي تاك بالعمل في عام 1924.
عند بدء الحرب اليابانية- الصينية الثانية حاول حاكم مستعمرة هونغ كونغ حمايتها بإعلان حياديتها السياسية، لكن بريطانيا كانت تتجهز لهجومٍ ياباني على المستعمرة لذا قامت بإجلاء الرعايا البريطانيين، وفعلاً هاجمت القوات اليابانية هونغ كونغ في الثامن شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1941، ونجحت في السيطرة عليها لمدة أربع سنوات قبل أن تستعيد بريطانيا السيطرة على المستعمرة في 30 آب/ أغسطس من عام 1945.
بعد الحرب سرعان ما استرجعت هونغ كونغ مكانتها وذلك بفضل جهود شعبها وتدفق العديد من اللاجئين والأيدي العاملة الصينية إليها، ولكن المفاوضات بدأت بين الحكومة الصينية والحكومة البريطانية حول ملكية هونغ كونغ، وانتهت هذه المفاوضات بتوقيع الإعلان الصيني- البريطاني المُشترك في 19 من شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 1984 والذي نص على نقل ملكية هونغ كونغ إلى الصين في عام 1997.
في المقابل تعهدت جمهورية الصينية الشعبية في هذا الاتفاق بمنح هونغ كونغ نظامها السياسي والاقتصادي الخاص تحت مبدأ “بلد واحد، نظامين مختلفين”، وفعلاً في الموعد المحدد انتقلت ملكية هونغ كونغ إلى الصين، ولم يكن الأمر سهلاً، فقد واجهت حكومة هونغ كونغ العديد من التحديات بعدها مثل أزمة آسيا الاقتصادية ووباء أنفلونزا H5N1 ووباء SARS.
كما واجهت الحكومة تحديات سياسية عديدة بسبب النظام السياسي الفريد من نوعه، فقد انطلقت مظاهرات عديدة في عام 2014 احتجاجاً على تعديلٍ في قوانين الانتخاب.
حاضر هونغ كونغ
من الناحية الاقتصادية تُعد هذه المدينة ناجحة بشدة، حيث تحتل المرتبة 35 في أكبر اقتصادات العالم، لكن العبء السياسي والمظاهرات المستمرة تهدد هذا الاستقرار والنجاح، فقد اندلعت احتجاجات ومظاهرات شعبية كبيرة في هونغ كونغ في شهر نيسان/ أبريل من العام الحالي إثر مشروع قرار طرحته الحكومة في البرلمان يسمح بتسليم المجرمين لحكومات أخرى من بينها حكومة الصين الشعبية.
وعلى الرغم من تعليق هذا القانون إثر المظاهرات المليونية التي ظهرت، حيث سحلت أرقام تقارب خروج 1.5 مليون مواطن في إحدى المظاهرات، إلا أنّ المظاهرات مستمرة حتى يومنا هذا وفي تصاعدٍ مُستمر، فقد تحولت المطالب لتشمل تعديلاتٍ ديمقراطية أوسع، ومحاسبة المسؤولين عن العنف.
شملت هذه المظاهرات السكك الحديدية وغيرها مما أدى لشللٍ في حركة النقل في المدينة في أحيانٍ متقطعة، واندلعت احتجاجاتٍ في المطار أيضاً، كما أنّ العنف الذي يُرافق هذه الاضطرابات في تزايد مستمر، فقد شهدت احتجاجات 25 آب/ أغسطس الحالي استعمال الشرطة لمدفع المياه لأول مرة وإلقاء المتظاهرين لمقذوفاتٍ على الشرطة.
كل هذا يجعل هذه المدينة في خطرٍ محدق ما لم يتم حل هذه المشكلة السياسية في أسرع وقتٍ ممكن، فقد بدأت هذه الأزمة تنعكس بالفعل على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المدينة.
مجانا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق