لطالما اعتقد الشخص أنه بات يعلم العالم ويفهم الكثير، لكن سرعان ما يفاجَأ بمواقف تثبت له أنه لايعرف إلا القليل. الأمر نفسه في مختلف مجالات التعلم، والتي يعتقد الشخص في البداية أنه ملمٌ بها، خاصة إن كانت تخصصه الأصلي، إلى أن يبدأ باكتشاف أن ما يعرف مجرد نقطة في بحر العلوم غير المنتهي.
موقف بسيط، لابد أنه صادف الجميع، ويرتبط بما يعرف اصطلاحًا في علم الإدراك بمصطلح الانحياز المعرفي ما الذي يقصد به؟ وما وهم التفوق؟ هذا ما سنحاول تقديمه في القادم من الأسطر.
الانحياز المعرفي .. ما هو؟
يعرف الانحياز المعرفي أيضًا بتأثير دانينغ-كروجر، ويقصد به انحياز الشخص غير المؤهل إلى الاعتقاد بالمعرفة الكاملة والمبالغة في تقدير المهارات الخاصة والإلمام بموضوع أو مجال معين. هي صفة، تصاحب المبتدئين في التعلم في مختلف مناحي الحياة، وذلك لجهلهم التام بما يجب معرفته، من جهة، ومن جهة أخرى قدرتهم على التقدير الصحيح للذات ومعرفة مكانتها الحقيقة.
تم تقديم هذه النظرية أو الفكرة من طرف عالمي النفس الاجتماعي ديفيد دونينغ وجوستن كروجر، واللذان يريان أن نظرة الأشخاص للآخرين وإلى الذات هي نظرة نسبية تعتمد على زاوية الرؤيا الخاصة، حيث يقولان أن “سوء تقدير الشخص المنخفض الكفاءة ينبع من خطأ في رؤية الذات، في حين أن سوء تقدير الشخص ذوي الكفاءة العالية ينبع من خطأ في رؤية الآخرين”.
بمعنى آخر، فالشخص ذو معرفة محدودة والذي يعتقد خطأً أن له دراية كافية بموضوع أو مجال ينظر بطريقة دونية لمن حوله وبتقدير مبالغ فيه لنفسه، بينما الشخص ذو كفاءة عالية، وبمعرفته الكافية للموضوع مثلًا، فإنه يراه سهلًا ويعتقد أن من حوله لهم القدرة على استيعابه بينما في الحقيقة هو صعب على غيره (نلاحظ الأمر في استسهال بعض الأساتذة لتقديم بعض المعلومات التي يعتقدون أنها سهلة لاتستدعي شرحًا بينما في الحقيقة هي مبهمة بالنسبة للطلاب).
منحنى تأثير دانينغ-كروجر
يجمع تمثيل الانحياز المعرفي بين ثلاث عناصر أساسية هي:
- الثقة النفس.
- الزمن.
- الخبرة.
بالجمع بين هذه النقاط، يتم تمثيل تأثير دانينغ-كروجر كالتالي:
هنا، يمكن ملاحظة أن الثقة بالنفس تكون عالية للغاية في البداية، رغم أن المعرفة تكون شبه منعدمة، ومع والوقت، وبتزايد اكتساب المعرفة وتحقيق الخبرات، تقل الثقة بالنفس لأقل نسبة ممكنة، حينها يبدأ الشخص بإدراك مكانته الحقيقة من المعرفة ومستواه منها، وبتطويره لنفسه وتوسيع معرفته عبر البحث والسؤال والاكتساب، تبدأ الخبرة بالارتفاع شيئًا فشيئًا بشكل يتناسب مع الثقة، إلى أن يصبح الشخصُ أهلًا لها بشكلٍ مدعوم بالمعرفة، فينتقل بذلك من مجرد مدعي لامتلاكها إلى شخص عارف ومتمكن منها.
تجنب الانحياز المعرفي.. كيف ؟
من أجل تجنب وهم التفوق وادعاء المعرفة المزيفة، يمكن الالتزام بعدة نقاط أساسية، أهمها:
- اهتم باكتساب العلوم وأقنع نفسك ألا وجودَ لمعرفة كاملة مطلقة، وأن الشخص يسعى دائمًا للتعلم والاكتساب. بفعلك لذلك، ستتمكن من تحديد مكانتك الحقيقة التي ستساعدك في المضي قدمًا.
- صاحب من هم أكثر تفوقًا، فحب المنافسة يمكن أن يدفع بك لتعلم المزيد وتطوير نفسك ومعرفك. أيضًا، ابحث لنفسك عن قدوة في التعلم. فالسعي لأن تصبح مثل عالم أو شخصٍ ما يثبت لك بطريقة مباشرة أنك لازلت في مرحلة التعلم.
- ضع لنفسك أهدافًا محددة من أجل تحقيق التفوق، ولاتتردد في مراجعتها ومحاسبة نفسك على عدم تحقيقها. أيضًا، لاتتخذ قراراتك من تلقاء نفسك (مثلًا، اختيار تخصص أو جامعة…) بل شارك دائمًا من حولك بما تنوي فعله، هكذا ستطور من قدرتك على التواصل والاستفاد من الخبرات بشكلٍ يسيهل عملية تعلمك الخاصة.
- طور قدرتك على تقبل الانتقاد، وشارك زملاءَك معارفك وما استطعت تعلمه. فالمناقشات الجماعية مصدر مهم لاكتساب المعرفة سواء داخل الجامعة أو خارجها مع أصدقائك وزملائك.
مجانا .يقول Stephen Hawking أن “عدو المعرفة ليس الجهل، وإنما ادعاء المعرفة”. لهذا، وجب تقدير النفس بشكلٍ جيد يسهل اكتساب المعرفة الصحيحة وليس الانحياز لها بشكلٍ يعيق ذلك…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق